غزة- مدلين خلة - صفا
لم يكن أحدٌ منهم يتوقع أن يعيش الموت أصنافًا وألوانًا، بعدما كان النزوح جنوبًا طريقًا لركوبهم وأطفالهم طوق النجاة من المجاعة التي عصفت بشمالي قطاع غزة قبل أشهر؛ جراء منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال شاحنات المساعدات.
حربٌ أخرى يفقد فيها الفلسطينيون في جنوبي القطاع، أرواحهم دون طلقة واحدة تخرج من فوهة دبابة جيش الاحتلال الذي حاربهم بقوت يومهم وطعام صغارهم.
"كأنك ملكت الدنيا وما فيها"، كان الفوز بربطة خبز من شُبَاك أحد المخابز التي تعمل بثلث طاقتها الإنتاجية، هدف حققه المواطنون في شِباك المجاعة التي تفتك بأنيابها كل ما يقف في طريقها.
وفي خضم حرب الإبادة المستمرة، وما يرافقها من حصارٍ وحرب تجويع يمارسها جيش الاحتلال على أهالي جنوبي القطاع وشماله كانت "أفران الطين"، حلًا لإنهاء أزمة طوابير الموت التي تصطف ساعات للحصول على كسرة خبز تسد بها رمق صغارٍ لم يدخل لجوفهم زاد منذ أيام.
فصول الموت
النازحة من شمالي القطاع إلى جنوبه مي الدواوسة تفتح لوكالة "صفا"، فصلًا من فصول الموت الذي يعيشه النازحون جنوبي القطاع.
تقول الدواوسة: "كان عدد الناس التي تعود بخُفي حُنين دون الفوز بما يسد رمق صغارها، أكبر من الذين حازوا شرف الحصول على الخبز، والذي راح ضحيته عددًا من النساء والأطفال والرجال".
وتضيف "كنا نقف بالساعات وأحيانًا نهارًا كاملًا عشان (حتى) نحصل على نصف ربطة خبز، وأنت وحظك تاخذ أو لا".
وتبين الدواوسة أن "الدور (الطابور) على المخابز يبدأ من الساعة 4:30 فجرًا ويظل مكتظًا بالصغار والنساء والرجال، حتى يعلن المخبز إغلاق أبوابه، وناس كتير ترجع (تعود) إلى خيامها دون أن تحظى بنصف ربطة".
وتتابع "بعد حالات الوفاة بطوابير الحصول على الخبز، والتي أصبحنا نطلق عليها (طوابير الموت) لجأ الناس في بعض مخيمات النزوح للخبز على أفران الطين".
وتؤكد الدواوسة أن أفران الطين حلت ثلثي المشكلة، ومنعت حدوث حالات وفاة بين المتزاحمين للحصول على الخبز.
مجاعة حقيقية
وتشير إلى أن المشكلة الرئيسة تتمثل في نقص أو شح الطحين في الخيام، وغلاء أسعار المتوفر منه.
وتكمل "كثير من الناس هنا لا يستطيعون شراء كيس الطحين بهذا المبلغ الخيالي، فنضطر لشراء بضعة كيلوات وعجنها وخبزها على تلك الأفران".
وتستطرد قائلة: إن "الاحتلال عمد إلى إغراق أسواق جنوبي القطاع بالدقيق والسلع الغذائية لتزيين الحياة هنا وجعلها جهنم في الشمال حتى ينزح الناس إلى جنوبي القطاع، وبعد نزوح عدد كبير حاربنا في قوت صغارنا".
ويعاني ما يزيد عن 1.5 مليون فلسطيني من مجاعة فتكت بكافة مناحي الحياة جنوبي قطاع غزة، منعت خلالها قوات الاحتلال من إدخال المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم وأبقته مغلقًا أمام حركة الشاحنات.
وكانت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة أكدت أن المساعدات الإنسانية إلى غزة تواجه صعوبات في الوصول إلى الفلسطينيين في انتهاك واضح للقانون الدولي.
وشددت على أن "إسرائيل" تعيق وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، مؤكدة أن القطاع يواجه انتشارًا للمجاعة.
وأشارت المسؤولة الأممية إلى أن الكارثة في قطاع غزة تمثل تهديدًا للإنسانية.
ر ش