حصلت وكالة الصحافة الفلسطينية (صفا) على نسخ من محاضر التحقيق مع شخصيات رفيعة في السلطة الفلسطينية في ملف اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات.
وتكشف الوثائق التي تنشرها "صفا" على حلقات، تفاصيل ما تحدثت به قيادات من السلطة وحركة فتح للجنة التحقيق التي تم تشكيلها برئاسة اللواء توفيق الطيراوي في أكتوبر 2010.
وأصدر الطيراوي في الأول من نوفمبر بيانًا أكد فيه أن وثائق تحقيق تتعلق بوفاة عرفات "تمت قرصنتها وتسريبها".
وشدد الطيراوي على أن تلك الوثائق "سرية لضمان سلامة سير التحقيق، إلى حين الوصول إلى الحقيقة الكاملة" المتعلقة بأسباب وفاة عرفات.
وتوفي ياسر عرفات "أبو عمار" في مشفى باريس العسكري في 11 نوفمبر 2004 بعد فترة من الحصار الإسرائيلي له في مقر المقاطعة برام الله وسط الضفة الغربية، فيما تم تشكيل لجنة التحقيق بعد مرور ست سنوات على اغتياله.
وكانت قناة الجزيرة كشفت في تحقيق استقصائي لها عن إمكانية وفاة عرفات بمادة البولونيوم المشعة.
وتكشف الوثيقة الجديدة شهادة مستشار الرئيس الراحل أبو عمار، محمد رشيد (خالد سلام) التي تم الاستماع لها في منزل السفير الفلسطيني في قبرص في الحادي والعشرين من مايو/ أيار 2013، بحضور اللواء توفيق الطيراوي.
ووفق شهادة رشيد؛ فانه تعرّف على أبو عمار عام 1980 عندما كان يعمل صحفيا في إحدى وكالات وسائل الإعلام المملوكة لحركة فتح في لبنان، ويقول عن تلك الحقبة التي سبقت العودة إلى الضفة وغزة: "كنا مخترقين من العواصم التي كنا نعيش فيها ولم يكن لدينا القدرة الكافية لمنع هذا التجسس من تلك العواصم، ولم يكن لدينا المستوى المطلوب لحماية الأشخاص وحماية القيادة".
ويشير الى أنه بدأ عمله بالمشاريع الاقتصادية باطّلاع أبو عمار، مضيفًا "في بعض الأحيان كان أبو مازن يطلب نقود لأشخاص، وكنت أسهل الأمور له لكن كنت أبلغ الرئيس بها وكان يطلب مبالغ للانتخابات الإسرائيلية في دوراتها المختلفة!".
ويلفت رشيد الى أنه "عندما عاد أبو مازن من الخارج لم تكن العلاقة ودودة بينه وبين الرئيس أبو عمار والكل كان يعرف ذلك، وأنا ذهبت على عاتقي الشخصي وطلبت سيارة مصفحة لأبو مازن وجلبها جمال الطريفي وأخرجت الشيك وذهبت لأبو عمار وقلت له وقع هذه الأوراق، قال لي لماذا؟ فقلت له سيارة مصفحة لأبو مازن، قال لي معه سيارة في تونس، فقلت له الكل يعلم أنكم لستم على وفاق ولو تم إطلاق النار على أبو مازن سوف تكون أنت المتهم، ووقع عليها الرئيس".
ويجزم رشيد في شهادته أن "أبو عمار قُتل ولم يمت طبيعيًا"، قائلًا إنه: "التقى خلال مرض الرئيس بمسؤول المخابرات الفرنسية في باريس، الذي أبلغه بدخول أبو عمار في غيبوبة، وعيشه تحت الأجهزة لأن عقله مات لكن أجهزته الحيوية فتية وسليمة".
وثيقة مسربة.. ماذا قال روحي فتوح في إفادته للجنة التحقيق باغتيال عرفات؟
وعندما سأل رشيد مسئول المخابرات، "هل تم تسميمه؟ كان رده: لم أقل ذلك لكن، ولا أستطيع أن أنكر، لكن يوجد خيارين إما أنه قتل بشيء غير معلوم لدينا أو مرض غير معروف".
وعاد ليسأله بشكل مباشر، هل أجريتم فحوصات السموم، فكان رده: "نعم أجرينا فحوصات السموم المعروفة لدينا لكن إن كان قتل بسم لا نعرفه فأنا لا أستطيع مساعدتكم، لأن السموم السياسية هي جزء من الأسرار السيادية وقد يكون معلوم في أمريكا وليس ضروريا أن نكون نعلمه".
وتفيد شهادة مستشار الرئيس بأنه رغم علاقته التي لم تكن "طيبة" مع أبو مازن بسبب خلافه مع أبو عمار، إلا أنه اتصل به وأبلغه بضرورة الوصول إلى المستشفى، لكن رد أبو مازن كان أن سهى عرفات تمنع ذلك، فقال له رشيد: لا أحد يمنعك من الدخول.
وعقب الاتصال وصل أبو مازن للمستشفى لكنه رفض الدخول لرؤية عرفات في الغرفة التي يعالج بها، وفق شهادة رشيد.
ويلوم مستشار الرئيس في حديثه للجنة تأخر التحقيق في قضية وفاة عرفات، وقال: ما يجري اليوم من تحقيق كان واجبًا منذ زمن، وطرح سؤالًا: "لماذا لا يوجد في النيابة العامة ملف اسمه ملف ياسر عرفات، وتم منع الحديث والتحقيق في هذا الموضوع".
وثيقة مسربة.. ثغرات في الجدار الأمني للرئيس عرفات قبل اغتياله
ويكشف رشيد أنه عندما طُلب من الفرنسيين البيانات بعد ملف الجزيرة كان الرد أنه لا يوجد قضية، ولم يطالبنا أحد بالموضوع، وأضاف "لذلك ليس ضروريا أن تكون الجريمة من أعطى الأمر أو من نفذه، لكن الجريمة من شتت الأدلة ومن شتت العدالة، ومن منع التحقيق، ومن أثر على الشهود".
ويعتقد خالد رشيد أن "مقتل عرفات كان الفصل ما قبل الأخير، لأنه فعليا لم يقتل يوم أن وضع له السم أو تلك المادة، بل تم قتل أبو عمار يوم الإعلان عنه أنه شخص غير ذو أهمية من الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون الوثيق مع إسرائيل وباختراق في الصفوف الفلسطينية الأمامية، وتم التوافق على أنه أصبح يشكل عبئاً على شعبه وعلى قضيته وتم إقناع عدد لا بأس به من القيادات الفلسطينية بهذا المنطق".
ولا يستبعد مستشار عرفات أن "المستفيد من قتل عرفات في قمة الهرم الفلسطيني، وسواء شاركوا في قرار قتله أم لا، لكن غيابه يعود عليهم بفوائد عظيمة تنظيمية وسياسية ومالية".
ويلفت إلى أن "هؤلاء رأوا أشياء وسكتوا عنها (..) أدت إلى القضاء على الرئيس أبو عمار".
وثيقة مسربة.. قائد "قوات الـ17" يتحدث عن طريقة دس السم لعرفات
ويكشف رشيد الذي وصف نفسه بالقناة الخلفية بين أبو عمار ورئيس وزراء الاحتلال حينها أرئيل شارون، أن الأخير قال له إنه يريد أبو مازن رئيسا للوزراء بكامل الصلاحيات لأنهم يستطيعون الثقة به والتعامل معه في الأمن والسياسة والمفاوضات.
ويؤكد أن "قتل أبو عمار بدأ باجتماع قمة شرم الشيخ ومشاركة أبو مازن به بصفته رئيسا للوزراء في تخطي لصلاحياته بأميال ضوئية، واجتمع حينها مع شارون وحسني مبارك وجورج بوش، والملك عبد الله، في قمة كانت مهمتها السياسة والأمن".
ويشير رشيد إلى أن "أبو مازن ذهب إلى أمريكا وعاد ورفض أبو عمار أن يستقبله قبل أن يذهب وبعدما عاد، وحتى رفض أن يقرأ التقرير الذي جاء به لأن الزيارة تمت دون موافقته".
ويرى أن "استقالة الحكومة التي كان يرأسها أبو مازن كانت طلقة البداية في نهاية ياسر عرفات وبداية البحث عن الطريقة المناسبة للخلاص منه".
ويؤكد في شهادته أن "المناخ السياسي هو الذي قتل ياسر عرفات وكانت التوازنات السياسية واضحة"، أما فيما يتعلق بمرض الرئيس، فأكد أنه "أبلغ بأنه لا يعرف النوم ولا الحركة، وكان يشير على بطنه وعلى رأسه وقال إن الألم فظيع ولا يستطيع تحمله".
وثيقة مسربة.. لم يجرؤ أي رئيس عربي على الاتصال بعرفات في أشهره الأخيرة
وفي إجابة مثيرة، قال مستشار الرئيس، إنه ذهب لأبو مازن ليطلب منه المساعدة في فك الحصار عن أبو عمار فكان رده: "اللي طلّع الحمار على المئذنة ينزله"، و"من يعطي النقود لمن يطخطخوا يحل مشكلته لوحده وليس شأني"، في إشارة منه إلى دعم الرئيس الشهيد ياسر عرفات لانتفاضة الأقصى.
إفادة محمد رشيد كاملة