web site counter

يُداوي جراحًا لا تُرى.. "الدعم النفسي" يُخفف آلام مصابي غزة

غزة – آية صمامة - صفا

تشعر إيمان ساق الله بتحسن ملحوظ في حالتها النفسية، رغم إصابتها الخطرة وفقدان ابنتها الكبرى جرّاء قصف إسرائيلي استهدف منزلًا في منطقة النفق بمدينة غزة؛ بفضل جلسات الدعم النفسي التي تتلقاها.

وتسترجع إيمان (34 عامًا) تفاصيل يوم إصابتها، بكلمات تحمل كثيرًا من الأمل رغم أوجاعها، وتقول إنها خرجت لشراء بعض احتياجات أطفالها الأربعة، ولا تتذكر شيئًا بعد ذلك؛ إلا أنها استيقظت فوجدت نفسها في المستشفى.

الأم، التي فقدت إحدى عينيها، ترقد على سرير في مستشفى الأهلي العربي "المعمداني" بمدينة غزة، وتجد في دعم عائلتها وزوجها وأخصائيي الدعم النفسي طوق نجاة يساعدها على الاستمرار في الحياة.

وتُضيف، لوكالة "صفا"، "الدعم الذي قُدم لي كان له دور كبير في تحسّن حالتي. أريد أن أتعافى من أجل أطفالي؛ فنحن بطبيعتنا نحب أن نتحرك ونقدّم لأولادنا، ولا نحب أن نكون عبئًا على أحد".

ورغم ما مرّت به، إلا أن إيمان تتقبّل ما حدث لها، وتؤكد أن "الله لا يُضيع أجر الصابرين"، مضيفة "نحن مسلمون، ونحمد الله على كل شيء، وعيني سبقتني إلى الجنة".

نقطة تحوّل

أما سها علي، التي أُصيبت برصاصة من دبابة إسرائيلية أثناء حصار جيش الاحتلال مستشفى كمال عدوان في شمالي القطاع، وأدت إلى "تفتت" عظام يدها، فتقول إنها كانت تنام وهي تبكي من الألم والتعب.

لكن تلقي سها الدعم النفسي كان نقطة تحول في حالتها النفسية، إذ "وجدت من يُواسيني ويتحدث معي ويطمئنني أنني سأتعافى، وأن يدي ستعود كما كانت؛ الأمر الذي ساعدني كثيرًا على تقبّل وضعي".

وتُشير سها (40 عامًا) إلى أن حياتها المنزلية تُذكّرها بشعور العجز، إذ لا تستطيع فعل الأشياء كما كانت تفعلها قبل إصابة يدها، لكن كلمات الأخصائيين والداعمين تمنحها دائمًا الأمل، كما تقول.

دور فعّال وتحديات

ويواجه أخصائيو الصحة النفسية، الذين يضطلعون بدور مهم، عديد التحديات، ولاسيما استمرار الاستهداف الإسرائيلي، ونقص الكادر والإمكانيات في ظل العدد الهائل لعدد المصابين بفعل الحرب المستمرة.

وحتى اليوم، تسببت الحرب الإسرائيلية المدمرة، التي شارفت على دخول شهرها الـ15، لاستشهاد وفقدان نحو 57 ألف شخص، وإصابة نحو 108 آلاف آخرين في القطاع، منذ 7 أكتوبر 2023م.

وتؤكد أخصائية الدعم النفسي علا قويدر، التي تعمل في وحدة الصحة النفسية بمستشفى "المعمداني"، أهمية دورها في مساندة الجرحى وذويهم خلال الحرب، وتؤمن أنه لا يقل ضرورة عن العلاج الجسدي.

وتوضّح قويدر، لوكالة "صفا"، أن الجرحى يُعانون من آثار نفسية معقدة نتيجة الحرب المستمرة، من أبرزها الاكتئاب، والقلق، والأرق، واضطراب ما بعد الصدمة، والخوف المستمر، وفقدان الشهية، والغضب، والانطوائية، وعدم القدرة على التفاعل مع المجتمع، وانعدام الرؤية المستقبلية.

وتُبيّن أن الجرحى، ولاسيما الذين فقدوا منازلهم أو أفرادًا من عائلاتهم، يواجهون معاناة نفسية تفوق ما يمر به المرضى الآخرون؛ نظرًا لتعرضهم المباشر للإصابات.

وتُشير إلى أن هذه الفئة تحتاج إلى دعم نفسي طويل الأمد لمساعدتهم على التأقلم والتعايش مع أوضاعهم الجديدة وتجاوز التحديات التي يواجهونها.

ويساعد فريق الدعم النفسي الجرحى على التعبير عن مشاعرهم بحرية، وتقبّل الفقد باعتباره جزءًا من رحلة الحياة، مما يساعدهم تدريجيًا على استعادة توازنهم النفسي، وفق قويدر.

وتؤكد الأخصائية النفسية أن فريق مستشفى "المعمداني"، الذي يتعامل مع نحو 450 حالة شهريًا، تمكّن من تسجيل عديد قصص النجاح، ولاسيما المساعدة في تجاوز الانهيار النفسي الذي أصاب بعض الجرحى أو ذوي الشهداء.

ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها فرق الدعم النفسي، إلا أنها تواجه تحديات عديدة أبرزها الاستهداف المتكرر للمستشفيات والطواقم الطبية، مما يُهدد حياتهم ويُعيق وصول الخدمة اللازمة للجرحى، ويزيد من تعقيد المشكلات النفسية والسلوكية التي تتطلب علاجًا طويل الأمد.

وتُبيّن أن مستشفى "المعمداني" يُعاني من نقص حاد في الموارد الطبية والكوادر، إضافة إلى الاكتظاظ الشديد في الغرف نتيجة امتلائها بالجرحى والنازحين، مما ينعكس سلبًا على جودة الرعاية المقدمة.

وتدعو أهالي الجرحى لتقديم الدعم النفسي والحب لأبنائهم، والتوجه إلى مراكز الصحة النفسية عند الحاجة؛ لتفادي تفاقم الأعراض، مع الابتعاد عن استرجاع الذكريات المؤلمة.

وتطالب قويدر المجتمع الدولي بضرورة التحرك العاجل لوقف الحرب الإسرائيلية، وفتح المعابر لإدخال المساعدات الإنسانية والطبية، وإخراج الجرحى لتلقي العلاج بالخارج.

ووفق منظمات دولية فإن جميع أهالي القطاع تعرضوا لصدمات نفسية بفعل الحرب، في وقت تؤكد منظمة "أطباء بلا حدود" أن "شفاء الجراح النفسية العميقة سيكون مستحيلًا دون وقف فوري ودائم لإطلاق النار".

أ ج/أ ص

/ تعليق عبر الفيس بوك