يعمل وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير بشكل متسارع على المس بالوضع القائم في المسجد الأقصى المبارك عبر إحداث تغييرات ملموسة وخطيرة فيه، بغية إحكام السيطرة الكاملة عليه وتحويله إلى "مقدس يهودي".
ومنذ بدء حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد قطاع غزة في السابع من تشرين أول/ أكتوبر الماضي، صعدت شرطة الاحتلال من انتهاكاتها وإجراءاتها الممنهجة بحق المسجد الأقصى، عبر نصب كاميرات مراقبة وأجهزة تنصت عند أبوابه وقرب مئذنة باب السلسلة، وتركيب أسلاك شائكة على سور القدس المحاذي للمسجد.
ولم يقتصر الأمر على هذه الإجراءات، بل عمدت شرطة الاحتلال إلى نصب متاريس وحواجز حديدية متنقلة عند باب الأسباط، لإحكام السيطرة عليه، عدا عن نصب أقفاص حديدية عند أبواب الملك فيصل والحديد والغوانمة، لحماية عناصرها المتمركزين في تلك المنطقة، كما تقول.
وفرضت أيضًا قيودًا مشددة على دخول المصلين الفلسطينيين للأقصى، لإتاحة المجال أمام المستوطنين المتطرفين لاقتحامه، وزيادة أعدادهم، وإقامة طقوسهم التلمودية، بهدف فرض التقسيم المكاني في المسجد.
والوضع الراهن أو"الستاتيكو" ينص على أن المسجد الأقصى وساحاته ومصلياته ومدارسه ومعالمه المسقوفة وغير المسقوفة هو ملك خالص للمسلمين، ولهم الحق بإدارته في كل ما يتعلق بالسياحة والزيارة لهذا المكان المقدس الذي يتربع على مساحة 144 دونمًا.
تغييرات خطيرة
الخبير في شؤون القدس حسن خاطر يقول إن تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى يعتبر من أبرز الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها المتطرفون بهدف إيجاد موطئ قدم لهم داخل المسجد وصولًا لبناء "الهيكل" المزعوم أو تقسيمه.
ويوضح خاطر، في حديث لوكالة "صفا"، أن سلطات الاحتلال بدأت بإجراء تغييرات فعلية بشأن وضع الأقصى سواءً عبر تكثيف الاقتحامات وزيادة أعداد المقتحمين، ومحاولة إثبات وجودهم يوميًا داخل المسجد، وخاصة فترة أعيادهم، كما يحصل فيما يسمى عيد "الفصح" العبري.
ويشير إلى أن عدد المقتحمين للأقصى بدأ يصل الآن لعشرات الآلاف سنويًا بعدما كان يبلغ بضعة آلاف خلال سنوات سابقة، "وهذا تطور خطير، ما يعني تغييرًا للوضع الراهن في الأقصى، ومحاولة فرض شراكة عليه استنادًا لمنطق القوة".
ويسعى الاحتلال، وفقًا للخبير المقدسي، لإحداث مزيد من التغيرات داخل الأقصى من خلال "أداء الطقوس والصلوات التلمودية والمناسبات الدينية، والجولات الإرشادية ورفع علم الاحتلال، وإدخال القرابين وذبح البقرات الخمس، وغيرها".
وعمل الاحتلال ضمن إجراءاته أيضًا، على إقامة مركز للشرطة داخل المسجد، يتحكم في دخول المصلين إليه، ويقمعهم، فضلًا عن تقييد عمل دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، بحيث لا يسمح لها بإجراء أي أعمال ترميم وصيانة داخل المسجد، وعرقلة تنفيذ عشرات المشاريع الحيوية.
ولأول مرة يُطرح تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى على جدول أعمال وزارة أمن الاحتلال.
وتتضمن خطة بن غفير ما أسماه "المساواة" بين المسلمين والمستوطنين في حق الصلاة داخل المسجد بشكل رسمي وقانوني، وكذلك تكثيف الرقابة التكنولوجية على المصلين عبر تركيب كاميرات وأجهزة رقمية، بالإضافة إلى تكثيف تواجد قوات الاحتلال داخله.
"مقدس يهودي"
ويبين خاطر، الذي يرأس مركز القدس الدولي، أن المتطرف بن غفير بهذه الخطة يريد إحكام السيطرة المطلقة على الأقصى، وإبعاد المسلمين عنه، تمهيدًا لتحويله إلى "مقدس يهودي"، وتحقيق مطالب "منظمات الهيكل" المزعوم التي يزيد عددها عن 60 منظمة، وتعمل على إقامة "الهيكل" مكان الأقصى.
ويقول: "إذا لم تستطع جماعات الهيكل وبن غفير تحقيق هذه الأهداف، ربما يحاولون فرض شراكة مع المسلمين على المسجد سواء زمنية أو مكانية، خاصة أن تقسيم الوقت أصبح متاحًا الآن، حيث تخصص أوقات محددة لاقتحامات المستوطنين، ما يعني تقسيمًا زمانيًا للمسجد".
ويضيف أن "المستوطنين ذاهبون اليوم باتجاه فرض التقسيم المكاني داخل المسجد، للاستحواذ على أجزاء معينة منه، خصوصًا أنهم ينفذون منذ فترة جولات منظمة داخله تبدأ من باب المغاربة مرورًا من أمام المصلى القبلي باتجاه الساحة الشرقية الجنوبية للمسجد وصولًا إلى باب الرحمة".
ويؤكد أن الجماعات المتطرفة تريد تحقيق طقوس أكبر في الأقصى مثل "ذبح البقرات الحمراء"، وفي حال تمت هذه الخطوة فإنها ستفتح أبوابًا جديدة من العدوان على الأقصى، مبينًا أن هذا الأمر متوقع في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
ولم يُخف خاطر تخوفاته من شن عدوان خطير على المسجد الأقصى، في ظل فشل حكومة الاحتلال بتحقيق أهدافها في غزة، وفي جبهات الصراع المختلفة، ومحاولة تحقيق إنجازات في الأقصى لتعويض هذا الفشل في ساحات المواجهة مع المقاومة.
ويوضح أن "ساحة المسجد الأقصى قد تكون أكثر سهولة بالنسبة للاحتلال من منطق أنه مكان عبادة وليس ساحة حرب، كما أن شرطة بن غفير هم من يسيطرون على المسجد المبارك".
ويحذر من تزايد المخاطر المحدقة بالمسجد الأقصى ومحاولة فرض وقائع تهويدية جديدة عليه، من أجل إرضاء المستوطنين والإسرائيليين، في ظل ما يعانيه المجتمع الإسرائيلي وحكومته المتطرفة من تناقضات وصراعات واحتجاجات.
ويتطلب التصدي لخطة بن غفير لتغيير الواقع القائم، كما يؤكد خاطر، مزيدًا من الرباط داخل الأقصى، كونه يشكل صمام الأمان الرئيس لإفشال كل المخططات، مثلما أفشل المرابطون البوابات الإلكترونية والكاميرات وإغلاق مصلى باب الرحمة وغيرها.