"القطمون، عين كارم، الطالبية، البقعة، المالحة، الدجانية، حي الألمانية، مأمن الله، نمامرة، الحي الألماني"، أحياء وقرى تقع غربي مدينة القدس المحتلة، ما زالت مبانيها ومعالمها التاريخية والأثرية ذات الطراز المعماري العريق تُحافظ على عروبتها وهويتها وازدهارها، وتروي تاريخ فلسطين القديم، الذي أُسقط من حسابات المفاوض الفلسطيني.
هذه الأحياء والقرى جميعها استولت عليها العصابات الصهيونية عام 1948، حين احتلت الجزء الغربي من المدينة أثناء النكبة، وهجّرت سكانها الفلسطينيين منها، وبات يقطنها حاليًا مستوطنون إسرائيليون.
ودمر الاحتلال بعد النكبة، معظم القرى الواقعة غربًا، وأهمها: "المالحة، دير ياسين، عين كارم، لفتا، والقسطل"، وأقام مكانها العديد من المستوطنات.
ورغم ما واجهته تلك القرى خلال أحداث النكبة من تدمير وتهجير قسري لأهلها وسلب لمحتوياتها، إلا أنها حافظت على أبنيتها ومنازلها الأثرية، وبقيت شامخة بحجارتها المميزة وطبيعتها الخلابة، وينابيعها العذبة وحدائقها وأشجارها المثمرة، وقصورها الحجرية المبنية بطراز يدمج بين ملامح العمارة الإسلامية والحديثة.
بصمة فلسطينية
وتمتد غربي القدس على مساحة 33 كيلو متر، تبدأ من بلدة جبل المكبر غربًا، وصولًا إلى غرب سلوان، وباب الخليل بالبلدة القديمة، وحي المصرارة، والشيخ جراح، حتى طريق باب الواد المؤدي إلى يافا على الساحل الفلسطيني ومن ثم دير ياسين وعين كارم ولفتا، كما يقول الباحث في شؤون القدس فخري أبو دياب
ويوضح أبو دياب، في حديث لوكالة "صفا"، أن عدد الفلسطينيين في غربي المدينة قُدر عام 1948 بنحو 60 ألف فلسطيني، بما يمثل 96.8% من عدد السكان، لكنهم هُجّروا منها جميعًا بعد احتلال هذا الجزء المقدسي.
ويبيّن أن اليهود كانوا يشكلون قبل النكبة 3.2% فقط من سكان هذه المنطقة، لكنهم باتوا اليوم يشكلون 98% من السكان، في وقت لا تزيد نسبة الفلسطينيين فيها عن 2% فقط حاليًا.
ويشير إلى أن 33% من أراضي غربي القدس قبل عام 1948 كانت ملكًا خاصًا للفلسطينيين، والباقي إما أملاك دولة (حكومية) أو عامة أو تاريخية، لكن الكنيست أقر فيما بعد مجموعة من القوانين تم بموجبها تحويل هذه الأراضي مما يسمى "حارس أملاك الغائبين" إلى منظمات يهودية.
وعملت سلطات الاحتلال على تهويد بعض أسماء القرى والأحياء المقدسية، لكن مبانيها وعقاراتها ذات التصميم الهندسي الرائع، التي تعكس طابعها العربي العريق، بقيت شاهدة على عروبتها، رغم تحويل بعضها إلى مؤسسات إسرائيلية ومساكن لليهود.
معالم عريقة
وما زالت العديد من المباني التي أقامها أثرياء فلسطينيون ما قبل 1948 في غربي القدس موجودة حتى اليوم، رغم أن سكانها مستوطنون يهود.
وبحسب أبو دياب، فإن هناك عشرات المساجد، والكنائس والأديرة المسيحية، والمواقع الأثرية والبيوت العتيقة تمكنت من الحفاظ على مكانتها ووجودها حتى اليوم.
ومن هذه المواقع البارزة، منزل الأديب الفلسطيني الراحل خليل السكاكيني في حي القطمون، المؤلف من طابقين يُستخدم أحدهما كروضة أطفال، والآخر تقطنه عائلة يهودية، وكذلك منزل الفيلسوف الراحل إدوار سعيد في حي الطالبية، والذي يُستخدم مقرًا للقنصلية اليونانية، بالإضافة إلى بيوت عائلة الدجاني.
ويوضح أن هناك تسعة أبنية ضخمة تعود للفترة العثمانية ما زالت قائمة، وتُستخدم اليوم كمراكز ثقافية ومستشفيات، فضلًا عن وجود متحف الطبيعة في حي الطالبية، ومبنى محطة القطار العثماني القديم، والذي يستعمل كمركز ترفيهي وتجاري استيطاني.
ومن المباني القائمة غربي القدس أيضًا، مبنى جمعية الشبان المسيحية، والذي حولته سلطات الاحتلال لمركز ثقافي، ناهيك عن العديد من المعالم والمباني التي تعود لعائلات مقدسية وعربية، لم يتم إجراء أي تغيير عليها، بل بقيت كما هي.
ويضيف أن سلطات الاحتلال حولت العديد من المعالم العربية في أحياء القطمون والبقعة والحي الألماني واليوناني، بما فيها المدارس، إلى مؤسسات تابعة لها، أو أماكن يسكنها المستوطنون.
وفي حي البقعة الواقع قرب محطة سكة حديد "القدس-يافا" العثمانية، كان يقع مقر اللجنة العربية، الذي أقيم عام 1936، برئاسة المفتي الحاج أمين الحسيني.
ومن أقدم وأهم الفنادق غربي القدس، فندق "الملك داود"، الذي أُنشأ عام 1932، وما زال قائمًا، ويتم فيه استضافة رؤساء العالم حتى الآن.
ويبين الباحث المقدسي أن الاحتلال عمل على تحويل جزء من أراضي قرية المالحة لحديقة حيوانات، وبعضها إلى مقاهي لليهود، كما حول مسجدها الأثري إلى "إسطبل للخيول".
ورغم أن سلطات الاحتلال استولت على مئات المحال التجارية غربي القدس، وطردت أصحابها الفلسطينيين منها، وحولتها إلى مكاتب ومؤسسات إسرائيلية، إلا أنها بقيت بطابعها العربي الأصيل.
ويظهر ما تبقى من المباني والمعالم الأثرية غربي المدينة اليوم، جمال بنائها، والذي جعلها مقرات للعديد من القنصليات الدبلوماسية الغربية.
وتزدحم العديد من القرى المقدسية غربي المدينة بالمطاعم والمتاحف والأماكن الترفيهية والمعارض الفنية ومتاجر الأثريات في منازل حجرية قديمة، وتملأ جدران بعض البيوت المسلوبة نقاشات باللغة العربية، مثلًا "هذا البناء ملك لعائلة الدجاني"، "هذا من فضل ربي".
ويشير أبو دياب إلى أن سلطات الاحتلال لا تسمح للعائلات المقدسية بزيارة هذه الأماكن، ولا استعادة أملاكهم المسلوبة في الجزء الغربي من القدس.
وفي الوقت الذي يزخر الجزء الغربي بالمعالم التي تؤكد هويته العربية الفلسطينية، لا يُطالب المفاوض الفلسطيني به بذريعة أنه أرض مُحتلة عام 1948، وليس عام 1967، وهي الأراضي التي تُطالب منظمة التحرير بإقامة دولة فلسطينية عليها.