بُني على شكل أقرب للمستطيل، تعلوه قبة رصاصية، يقع جنوبي المسجد الأقصى المبارك اتجاهِ القبلة، كان أول من أمر ببنائه الخليفة عمر بن الخطاب عند فتحهِ القدس عام 15 هـ الموافق 636م، وهو المكان الرئيس الذي يتجمع فيه المصلون خلف الإمام في صلاة الجمعة، إنه المصلى القبلي المسقوف.
ويشكل المصلى رأس حربة للأقصى والحضن الدافئ للمقاومة وللأمة العربية والإسلامية، ويتمتع بمكانة ورمزية إسلامية وتاريخية كبيرة، حتى بات يشكل شوكة في حلق الاحتلال الإسرائيلي.
ويتكون المصلى الذي يعد من أشهر معالم الأقصى، من سبعة أروقة محمولة على أعمدة رخامية ذات طراز معماري جميل، يبلغ طوله نحو 80 مترًا وعرضة 55 مترًا، ومساحته نحو أربعة دونمات، ويضم أحد عشر بابًا، ويتسع اليوم إلى 5500 مصل.
ومنذ احتلال مدينة القدس عام 1967، لم يسلم المصلى القبلي من اعتداءات الاحتلال الممنهجة، والتي كان أسوأها الحريق الذي اندلع بتاريخ 21 آب/ أغسطس 1969 على يد اليهودي المتطرف "مايكل روهان"، وأتى على منبر صلاح الدين حتى لم يتبق منه إلا قطع صغيرة محفوظة الآن في المتحف الإسلامي، تظهر روعته وجماله.
معلم عريق
رئيس أكاديمية الأقصى للوقف والتراث الشيخ ناجح بكيرات يقول إن المصلى القبلي يعد جزءًا لا يتجزًأ من المسجد الأقصى، ومن أشهر معالمه، البالغ عددها 200 معلم، ويُصنف ضمن المصليات المسقوفة، مثل: مصلى الأقصى القديم، ومصلى باب الرحمة، ومصلى قبة الصخرة المشرفة ومصلى البراق والمصلى المرواني.
ويوضح بكيرات، في حديث خاص لوكالة "صفا"، أن المصلى القبلي يتمتع بطابع معماري يُدلل على إسلاميته وهويته، كونه أقيم من أجل الخطابة والإمامة، وفيه بداية القبلة، ويضم في جهته الشرقية مصلى عمر، ومحراب زكريا ومقام الأربعين.
ويضم المصلى 15 مليون قطعة فسيفسائية ذات لوحة فنية ومعمارية رائعة، بالإضافة إلى 53 نافذة، بعضها عبارة عن شبابيك جصية مصنوعة من الزجاج الملون، الذي يُعطي طابعًا متميزًا، ويُبرز تاريخ وحضارة هذا المكان المقدس.
ويبين بكيرات أن المصلى تعرض عبر فتراته التاريخية المتعاقبة للعديد من أعمال الترميم، سواء في الفترات الصليبية أو الفاطمية أو العثمانية، وبات يمثل تاريخًا لكل الرسالات الإسلامية التي تعاقبت على مدينة القدس.
اعتداءات الاحتلال
وأثناء احتلال الأقصى عام 1967، تعرض المصلى لسقوط وابل من القنابل أصابت سقفه، مما دفع دائرة الأوقاف الإسلامية لإجراء ترميمات وإصلاحات في المصلى، حتى اندلع الحريق عام 1969، وأتى على ربع المصلى والمنبر، وحينها تشكلت لجنة الإعمار التي تولت مهمة ترميمه.
ومنذ ذلك الحين، ولجنة الإعمار تُجري أعمال ترميم وصيانة للمصلى، في ظل استمرار الاحتلال في استهدافه وانتهاك حرمته، وتحطيم أبوابه ونوافذه، بسبب السلاسل الحديدية والقنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع الذي يتم إطلاقه أثناء تحصن المرابطين والمصلين فيه.
ويشير بكيرات إلى أن المصلى لم يسلم من محاولة إسرائيلية لتفجيره، إذ تعرض لمحاولات عدة لتحقيق ذلك، بما فيها محاولات لقصفه بالصواريخ، خاصة عامي 1980 و1984.
ويوضح أن الهجمة الإسرائيلية على المصلى تصاعدت خلال السنوات الأخيرة، وخاصة فترة الأعياد اليهودية، إذ استهدفته قوات الاحتلال بأعداد كبيرة، وصبت جام غضبها على المصلين والمرابطين الذين تحصنوا داخله، من خلال إطلاق وابل كثيف من الأعيرة المطاطية والقنابل الصوتية والغازية اتجاههم.
ولم تسلم الأبواب الرئيسة والنوافذ التاريخية المزخرفة للمصلى والسجاد الأرضي والأعمدة الداخلية الرخامية التاريخية من اعتداءات الاحتلال، فقد تعمد استهدافها بشكل همجي، وتخريب وتدمير بعض النوافذ، ناهيك عن استهداف الأبواب السبعة والأروقة، وتحطيم أبواب عليها رسومات وزخارف هندسية وآيات قرآنية، وفق بكيرات
صمام أمان
ويشير إلى أن ما جرى خلال السنوات الماضية من إطلاق لقنابل الصوت داخل المصلى كاد يؤدي لاندلاع حريق، إلا أن اعتصام المرابطين داخله شكل صمام أمان وحصانة للمكان، رغم اقتحامه مرات عديدة وإغلاقه، لمنع التصدي لاقتحامات المستوطنين المتطرفين للمسجد الأقصى.
ويؤكد رئيس أكاديمية الأقصى أن المصلى القبلي مستهدف اليوم بكل حجارته ومحرابه ومنبره وشبابيكه وأبوابه، في مسعى واضح لتصفيته من الوجود، كونه بات يشكل رمزًا جهاديًا وحضاريًا.
ولم تقتصر اعتداءات سلطات الاحتلال على ذلك، بل عمدت إلى إجراء حفريات أسفل الجامع القبلي، حتى باتت تُهدد أساساته، ناهيك عن اقتحام غرفة الأذان المجاورة للمصلى عدة مرات، وقطع أسلاك السماعات، ووضع أسلاك شائكة لمنع الشبان من الصعود فوق المصلى.
ورغم تلك الاعتداءات الممنهجة، إلا أن المصلى القبلي يبقى عنوانًا للصمود والثبات في مواجهة الاحتلال ومستوطنيه، وعنوانًا مهمًا للمسجد الأقصى بأكمله.