شعور مفعم بالفرحة الغامرة انتاب المزارع أنور الدباري بعدما تمكن لأول مرة أن يطأ بأقدامه أرضه الزراعية شرق رفح التي كان ينظر إليها فقط طوال 12 سنة.
هذه الأرض التي لم يزرها الدباري (62 عامًا) خلال تلك السنوات، كانت محظورةً وما تحاذيها من أراضٍ زراعية أخرى بحكم أنها تبعد 300 متر عن السياج الفاصل بين شرق قطاع غزة والأراضي المحتلة، حيث يمنع الجيش الإسرائيلي اقتراب أي جسم متحرك على طول تلك المساحة الواقع داخل القطاع من شماله حتى جنوبه.
لكن هذا المزارع ومئات آخرين من أقرانه المزارعين تمكنوا اليوم الاثنين من الوصول إلى أراضيهم في منطقتي الشوكة والفخاري شرقي جنوبي القطاع، تحت إشرافٍ من الصليب الأحمر.
هؤلاء المزارعين، وفور وصولهم إلى أراضيهم في تلك المنطقتين، بدأوا بنثر حبوب القمح إلى أبعد ما يمكن أن تصل إليه أياديهم.
ويقول المزارع الدباري الذي يُعيل عشرة من أبنائه إن أرضه الجديدة كانت مزروعة بأشجار التين والعنب والزيتون والصبار قبل 2006، وتعرضت للتجريف والتدمير من قبل جيش الاحتلال خلال الحروب والاجتياحات.
ويضيف: "قبل أشهر كنت أرى أرضي عبارة عن تلال رملية بفعل تكرار الاجتياحات، أما الآن سأعيدها خضراء مستوية".
ورغم فرحة هؤلاء المزارعين، إلا أن سعادتهم ستكون منقوصة؛ فلن يسمح الجيش بمحاصيل زراعية قد ترتفع عن الأرض أكثر من 70 سنتمترًا، ما يعني أن أشجارهم المثمرة التي طالما تغنوا بها سابقًا لن تُزرع مجددًا.
فوزي أبو جراد، هو أيضًا كان من أوائل المزارعين الواصلين إلى حفلهم الاستثنائي باسترداد أراضيهم التي لطالما كانت مسارًا لجنازير الجرافات والآليات العسكرية طوال تلك الفترة.
ويذكر أبو جراد (58 عامًا) أرضه هذه التي كانت ملآى بأشتال الطماطم والشمام والبازلاء، عدا عن الأشجار المثمرة.
واليوم، ينتظر هذان المزارعان الفرحان ومئات من المزارعين الذين تدافعوا إلى تلك المنطقة، بتعزيز صمودهم عبر تواصل الدعم من قبل الجهات المحلية والخارجية وحمايتهم من اعتداءات الاحتلال وتوفير مياه صالحة للري ومعدات زراعية والسماح لهم بزراعة أصنافٍ تجلب لهم المال مجددًا.
المسئول في اللجنة الدولية للصليب الأحمر أسامة المخللاتي الذي رافق هؤلاء المزارعين قال لمراسل "صفا": إنه تم إعادة وإصلاح أكثر من 1400دونم بمنطقتي الفخاري والشوكة، من الأراضي الزراعية، المحاذية للحدود، بعد أن أنجزنا في 2015 تأهيل نحو ضعف تلك المساحة في مناطق مُختلفة من القطاع.
وأشار إلى أن جهود لجنته بدأت بتمشيط الأراضي من الأجسام المشبوهة ومخلفات الحروب والعمليات العسكرية، ومن ثم تسويتها وتسميدها لإتاحة زراعتها بالقمح لحصد سنابله بعد أربعة شهور.
وقال المخللاتي "اليوم نحن على بعد مسافة قريبة من السياج الحدودي، في أراضِ نرى فيها مُستقبل زراعي لقطاع غزة، وسلة غذائية، في ظل انحسار الرقعة الزراعية، على حساب التوسع العمراني؛ فالقطاع يُعاني اليوم من فقدان مساحات من الأراضي لأسباب كثيرة.