غزة- مدلين خلة - صفا
يسير الناس شمالي قطاع غزة إلى أقدار مكتوبة يُحاولون تخطيها سريعًا، من أجل لملمة شتات قلوبهم واستعادة صلابة جأشهم.
لا يفتأ المواطن من دفن حبيبًا له حتى يُودع جاره العزيز، يليه أخٌ خانته عيناه دون أن يلاحظ وجودها تلتهم السماء، فباغتته تهوي بقنبلتها على جسده، حتى أصابته في مقتله وخطفت روحه.
وخلال اجتياحه المتواصل لمناطق شمالي القطاع، كثف جيش الاحتلال من استخدام الطائرات المسيّرة من نوع "كواد كوبتر"، باعتبارها باتت أداة للقتل المتعمد، واستهداف الفلسطينيين بشكل مباشر.
معركة غير متكافئة الأركان تسير بين كر وفر وعيون ترقب سماء المنطقة علها تفوز في جولتها على طائرات ذات أحجام مختلفة أكبرها لا تتجاوز المتر المكعب الواحد، اكتنفت السماء وأخذت ترقب بعيونها أي حركة، كي تنقض عليها وتردي صاحبها شهيدًا.
كابوس لا ينتهي
كابوسٌ يُلاحق تفكير عقولهم، تمنوا التخلص منه، حتى ينجو بأجسادهم وأرواح أطفالهم، فكان مكوثهم في البيوت لأيام متتالية قد تصل لأسابيع، حلًا لتلك اللعينة "كواد كوبتر".
"أسبوع تقريبًا لم نتمكن من الخروج من باب البيت، كل متحرك تتعرض حياته للخطر، بسبب انتشار طائرات مسيّرة (كواد كوبتر) في السماء". يقول محمد دكة أحد المحاصرين في جباليا.
ويضيف دكة، في حديثه لوكالة "صفا"، "وقت تكون طائرات (كواد كوبتر) في بالجو، فهذا يعني حصار مطبق، لا بتقدر تدبر أمور البيت، ولا أن تحصل على بعض الماء، لقضاء أمور يومك".
ويتابع "إذا أنت بتطلع من البيت أو تخرج رأسك من الشباك، فأنت حكمت على نفسك بالإعدام، وأصبحت ضحية للكواد كوبتر، التي لم تفرط فيك وتتركك تروح في سبيلك".
ويشير دكة إلى أن معركة محتدمة بالأعين تُخاض بين أزقة وحارات البلدة التي يقطنها وبين كاميرات التصوير والمجسات الحرارية المثبتة على جسم الطائرة المسيّرة.
ويردف "حظه من السماء الذي تُخطئه تلك الطائرة اللعينة، لا يُوجد هدف تُحدده ولا تُرديه شهيدًا، أما المصاب فيترك ينزف حتى يموت، لأن لا أحد يستطيع الخروج لتقديم المساعدة له".
ويكمل حديثه "ما أن تصيب الطائرة المسيّرة هدفها، حتى تبدأ أخرى بإطلاق الرصاص على كل من يحاول تقديم يد المساعدة لضحيتها إن كان مصابًا".
إعدام متعمد
و"تتعمد إسرائيل استخدام هذه الطائرات المسيّرة في عملية القتل العمد، لأنها لا تخطئ أبدًا ولا تحتاج مواجهة مباشرة لإعدام الغزيين". يقول دكة
ويضيف "كنا نفكر إنها عبارة عن آلة فقط لإطلاق القنابل، لكن تفاجأنا عندما رأينا أنواعًا أخرى منها، تلك التي تحمل قنابل تزن 10 كيلو، وأخرى تحمل باراشوت تحتوي مادة مشتعلة تعمل على صهر أجساد الغزيين، وهناك التي تختص بإطلاق الرصاص على المناطق القاتلة في الجسد".
و"كواد كوبتر" هي طائرات مسيّرة صغيرة الحجم تُسيَّر إلكترونيًا عن بُعد، يستخدمها جيش الاحتلال لأغراض متعددة بدءًا من المراقبة والتجسس، إلى جانب توجيه أوامر التهجير، وترهيب المواطنين عبر إصدار أصوات مزعجة، وأيضًا استخدامها كأداة قتل ضدهم.
وهذا النوع من المسيّرات مزوّد بكاميرات ذات جودة عالية وأدوات تنصت دقيقة جدًا، يمكنها القيام بمهام عسكرية إضافية، مثل إطلاق النار وحمل قنابل.
ومنذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تعمد جيش الاحتلال تنفيذ عمليات قتل وإعدام بحق المدنيين الفلسطينيين، من خلال القنص وإطلاق النار والقنابل المتفجرة من طائرات مسيّرة في مختلف مناطق القطاع، ما أدى لاستشهاد العشرات منهم.
ووظف الاحتلال هذه المسيّرات في التطهير العرقي الذي يمارسه في شمالي القطاع، إذ أسهمت في إحكام الحصار المطبق على مداخل تلك المناطق وأيضًا استهداف المستشفيات، عبر إطلاق القنابل والرصاص الحي على كل من يحاول الخروج والدخول إليها.
ر ش