إيمان غبون (33 عامًا) من شمال غزة، أم لثلاثة أطفال بينهم مريض مزمن، اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي زوجها بعد السابع من أكتوبر 2023 من مكان عمله في الأراضي المحتلة عام 1948، وبعد أن أفرج عنه رُحّل إلى مدينة رفح، وبقيت تواجه الحرب وحدها في شمال غزة.
تجويع وحرمان العلاج
تقول السيدة إيمان غبون في حديثها لوكالة "صفا" إنها لم تستطع التوجه لجنوبي القطاع لأنها حامل والمسافة بعيدة ولا تقوى على قطعها مشياً على الأقدام مع أطفالها الصغار الثلاثة وأكبرهم (10 سنوات)، الثاني مريض سكر (8 سنوات) وصغيرهم (3 سنوات).
وتشرح غبون لـ"صفا" أن طائرات الاحتلال استهدفت منزلهم في الأسبوع الأول من حربه على غزة، مشيرة إلى فقدان أجهزة العلاج الخاصة بطفلها المريض وأدويته ما أدى لتراجع حالته الصحية.
وتتابع رواية معاناتها بحزن: "نزحت إلى منزل عائلة زوجي، وبعد فترة من مكوثنا هناك استهدف الاحتلال المنزل ونحن فيه، فاستشهدت والدة زوجي وأصبت وأطفالي ونُقلنا إلى مستشفى كمال عدوان وبقينا هناك حتى تعافينا".
وتؤكد غبون أنها واجهت الظروف الصعبة، التي يعيشها شمالي غزة، وحدها، فعانى صغارها الجوع وقلة الغذاء والدواء، "طفلي الثاني مصاب بمرض السكر ويحتاج لغذاء خاص وأدوية معينة لم تعد متوفرة نتيجة سياسة التجويع والحصار التي ينتهجها الاحتلال بحقنا" تقول السيدة غبون.
وتضيف السيدة متألمة على حالها: "نتيجة الحصار المطبق علينا من الاحتلال توقفت التحويلات وحرم طفلي علاجه في الأراضي المحتلة عام 1948، كما حرم أدويته وأجهزته الخاصة به بعد استهداف منزلنا، ولم نجد أي بديل عنها، فلا محاليل ولا علاجات في مشفى كمال عدوان الذي يعاني ضعف الإمكانيات.. لم يترك الاحتلال شيئا فيه حياة لنا إلا منعه عنا".
من فصول المأساة
تحكي غبون لـ"صفا" فصلآ آخر من مآسي الحرب التي عاشتها: "اقترب ميعاد ولادتي ولا يوجد مكان أجلس فيه، فنزحت إلى مستشفى كمال عدوان وحاصرنا الاحتلال فيه، وعند انتهاء الحصار توجهت لأحد مراكز الإيواء فازدادت حالة طفلي سوءًا ولم يتبقَ على موعد ولادتي سوى أسابيع".
وتقول السيدة إن زوجها طلب منها التوجه عبر شارع الرشيد لجنوبي القطاع، حتى يتمكن من مساندتها في هذه المرحلة ويرعاها وطفلهما المريض لتوفر علاجه هناك.
وتستذكر بحزن وألم يوم إصابتها: "في 23/2 ذهبت ومعي أطفالي الثلاثة لشارع الرشيد وإذ بالدبابات الإسرائيلية تطلق قذائفها تجاهنا ما أدى لإصابتي ودخولي في حالة إغماء لم أستفق منها إلا بعد يومين، ووجدت نفسي في مجمع الشفاء الطبي".
وتبين غبون أن الأطباء أخبروها أنها تعاني نزيفا حادا وأصيبت بتهتك في اليد والرجل اليسرى وأنها بحاجة لعملية عاجلة لوقف النزيف، وسيتم تحويلها للخارج لإجراء العمليات الجراحية المتعلقة بيدها وقدمها المصابتين "لعدم توفر الإمكانيات المتعلقة بهذه الإصابات".
استهداف مباشر للأطفال
وفي ردها على سؤال "صفا" حول صغارها الذين كانوا برفقتها، تجيب الأم المكلومة: "استشهد طفلاي الصغيران وأصيب أكبرهم، وأدت إصابتي لضعف نبض الجنين، وأدخلني الأطباء غرفة العمليات لإنقاذ حالتي وإيقاف النزيف وأثناء ذلك توقف نبض جنيني".
وتروي السيدة بحسرة: "في موعد ولادتي بـ28/2 خرجت طفلتي التي انتظرتها طويلا إلى الدنيا بعد أن قام الأطباء بتوليدي، لكنها كانت شهيدة لتلحق بإخوانها الشهداء الذين احتسبتهم عند الله ليصبرني على فراقهم".
وتستدرك حديثها: "رغم كل ما مررت به والمعاناة لم تتوقف، لأن الاحتلال يمنع الإسعافات من الوصول لجنوبي القطاع، فاضطررت للبقاء في مشفى الشفاء للحصول على الرعاية الأولية والتغيير على الجروح وتطبيبها لأن معظم جسدي مصاب بجروح وحروق".
جرائم الاحتلال بـ"الشفاء"
تتنهد الأم التي فقدت أطفالها وتكمل: "بقيت على هذه الحال حتى حصار الاحتلال لمجمع الشفاء الذي أدى لتوقف تلك الرعاية والحرمان من الطعام والشراب مدة ثلاثة أيام متواصلة، حتى أدخلوا القليل من المعلبات التي لا تسد الرمق، ما أثّر على صحتي وأدى لتراجعها".
وتسترسل في حديثها عما واجهته في حصار المجمع: "أصبحت أعاني من جفاف كامل ووصل دمي إلى 6، كما أني نقلت من مكان لآخر، الأمر الذي كان يؤذيني بشكل كبير لأن الإصابة والكسور في العظم".
وتصف غبون ما واجهته بالصعب جداً، إذ "في أحد أيام الحصار دخل علينا من شباك الغرفة أحد جنود الاحتلال وهدد أحد المرضى إن لم يتحدث أو يتعاون معه، وطلب منه خلع ملابسه، فقال له أنا مصاب، عندها تركنا وخرج".
وتشير غبون إلى أنهم خلال حصار قوات الاحتلال توجهوا للمؤسسات الدولية خاصة منظمة الصحة العالمية لإخراجها والمصابين من المجمع، لكن الاحتلال كان يرفض ذلك، فكانت حالات تستشهد كل يوم من الجوع وقلة العلاج وكل واحد منا ينتظر دوره في الشهادة".
معاناة كبيرة ومأساة أكبر
وتلفت غبون النظر إلى الاحتلال الذي لم يترك صغيرا ولا كبيرا ولا مسنا إلا استهدفه، وتقول: "كانت والدتي الكبيرة في السن بجانبي تساندني وتساعدني رغم مرضها وتعبها إلا أن الاحتلال أجبرها على تركي ورحلها لجنوبي القطاع".
"أثناء سيرها أطلق عليها جنود الاحتلال النار واستشهدت على الفور وبقي جثمانها في الشارع حتى انسحب الاحتلال من مشفى الشفاء وأخذها أخي ودفنها" تروي غبون استشهاد والدتها والألم يعتصرها.
وبصوت يملؤه الحزن، تكمل غبون: "المعاناة كبيرة جداً، والمأساة أكبر، فأنا الآن أواجه إصابتي وحدي، زوجي ومعظم عائلتي في الجنوب، أولادي وأمي وأخي ووالدة زوجي استشهدوا وبيتي مدمر، أنا بحاجة للرعاية ولم يتبق لي أحد ليساعدني".
مناشدة للصليب الأحمر
وتناشد غبون أي من المؤسسات الدولية خاصة الصليب والهلال الأحمرين بالعمل على تبني حالتها ونقلها للمشفى الأوروبي جنوبي قطاع غزة "فالأوراق المطلوبة للتحويل جاهزة، لكنها بحاجة للسماح لها للخروج من شمالي غزة إلى جنوبها".
وتختم السيدة بعد أن حمدت الله على ما أصابها ومرت به أن "كل ما أريده هو استكمال علاجي، والرجوع لحياتي الطبيعية، من الصعب علي أن أبقى على ظهري ولا أتحرك".