منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة حطمت قوات الاحتلال الإسرائيلي آمال كثير من العائلات، وقطعت الخيط الذي تبني عليه أحلامها بعدما أصابت قذائف الدبابات ثلاثة بنوك ومختبرات خاصة بتجميد الأجنة.
وتعمد الاحتلال قتل الأجنة قبل أن تخرج إلى الحياة، عندما استهدف خمسة آلاف عينة محفوظة في خزانات النيتروجين داخل مركز البسمة للعقم وأطفال الأنابيب وحده.
قتل الحياة
في السنوات الأخيرة لجأ الآلاف ممن يعانون صعوبة في الإنجاب، خاصة مرضى السرطان، لتجميد أجنة لدى عدد من مراكز الإخصاب التي تعمل في غزة، على أمل استخدامها لاحقا لتعطيهم فرصة إضافية للإنجاب، لكن قذائف الاحتلال قتلت آمالهم.
السيدة الثلاثينية وفاء حامد المصابة بالسرطان تقول إن تجميد البويضات كان الأمل الذي تتمسك بهِ وتحارب المرض من أجله، بعد إصابتها بسرطان الغدة الدرقية عقب فترة بسيطة من زواجها.
وبتنهيدة أعقبها صوت منخفض تضيف، لوكالة "صفا": "نصحني طبيب بتجميد البويضات قبل الخضوع للعلاج الكيماوي والإشعاعي، الذي يؤثر بشكل كبير على عملية الإنجاب، ولجأت لهذه العملية رغم أن المرض يفتك بجسمي، لأن الأمومة شيء عظيم وتخفف عن كاهل الأمهات الألم والوجع".
وتشير إلى أنها جمدت عينات ثم خضعت للعلاج الكيماوي، والآن ينهك المرض جسدها، ويقتل الاحتلال بصيص الأمل لديها بعد تدميره مختبر حفظ الأجنة.
أما شيماء حسن التي تتجرع الألم والحسرة على ما حل بالمختبر الذي يحفظ أجنتها، فتقول: "منذ عشر سنوات بدأت بالبحث عن أي شيء يحتفظ بالبويضات لأن العمر يمر ومحاولات الإنجاب كادت مستحيلة لأنني أعاني من مشاكل إنجابية، فلجأت إلى مراكز الإخصاب علني أستمع في المستقبل لكلمة ماما".
وتضيف شيماء، لوكالة "صفا"، "واجهت الكثير من العقبات التي كانت تحول بيني وبين عملية تجميد البويضات لكنها نجحت في نهاية المطاف، وكُنت على وشك الخضوع لعملية زراعة أطفال أنابيب.. لكن الحرب أفشلت كل مخططاتي".
"الأجنة المجمدة كانت أملي في الدنيا بأن يرزقني الله طفلا آخر، بعد أن رزقني طفلتي الأولى قبل أربع سنوات بعد معاناة شديدة، لكن آلة الحرب الإسرائيلية حطمت كل الآمال" تكمل شيماء والحسرة تكوي قلبها.
وتحمد نهال الحولى الله على إجرائها عملية الزراعة قبل اندلاع الحرب على القطاع، رغم أن الجميع نصحها بالتأجيل لكن شعورا داخليا دفعها لإتمامها، وهي تحمل الآن جنينها بالشهر السابع.
وتكمل الحولى حديثها لوكالة "صفا"، "بمجرد سماعي بتدمير المستشفى وكأن صاعقة نزلت بي، وبكيت بكاءً شديداً، فخسران تلك الأجنة لا يشعر بغصتها إلا من حُرم من نعمة الأطفال".
استهداف متعمد
يقول محمد عجور أخصائي الأجنة ومدير معمل الأجنة في مركز البسمة للإخصاب وأطفال الأنابيب إن "تجميد الأجنّة إحدى طرق المساعدة على الإنجاب، فيتّم تجميدها في مختبراتٍ وبنوك من أجل الحفاظ عليها أطول فترة ممكنة، تحت ظروف خاصة وبدرجة حرارة ١٩٦ دون الصفر".
ويشير، خلال حديثه لـ"صفا"، إلى أن من يلجأ إلى عمليات التجميد من يعانون مشاكل في الإنجاب، خاصة فئة مرضى السرطان لضمان حفظ الخصوبة بعد تعرضهم للعلاج الكيماوي والإشعاعي، الذي يؤثر على الأنسجة المنتجة للحيوانات المنوية والبويضات سلباً.
ويوضح عجور أن الأزواج يستفيدون من تجميد الأجنة مدة طويلة، ويمكنهم القدرة على الإنجاب بعد مراجعات الأطباء.
وينوه إلى أن الأنابيب، التي توضع فيها العينات، تحفظ تحت درجة حرارة لها خواص معينة ويجب متابعتها جيدا لأن من صفات السائل التبخر مع الوقت.
ويلفت عجور إلى أن مراكز الإخصاب تعمل على تزويد العينات لديها بمواد نيتروجينية للحفاظ عليها مدة أطول خشية من التلف لأنها أملٌ للكثير.
ووفق عجور فإن أعداد العينات لدى المركز الذي يعمل به تجاوزت 90٪ من عدد العينات المحفوظة في مراكز قطاع غزة، لأنه يعد البنك الرئيسي لتجميد الأجنة.
ويؤكد أن طاقم المركز حاول قدر المستطاع الحفاظ على العينات التي بحوزته من الاستهدافات التي طالت كل شيء بغزة، لكنه لم يستطع وفقدها جميعا.
ويبين عجور أن أصحاب الأجنة المجمدة داخل المركز حاولوا الاطمئنان عليها، لكنهم اضطروا آسفين بالرد "لقد قصف المركز وفقدت العينات كافة".
وهكذا محت الحرب على غزة كل شيء، ولاحقت حتى الأجنة التي لم تخلق بعد.