بمجرد سماع صوت الطائرات تُحلق في سماء مدينة غزة وشمالها، يهرع مئات المواطنين الجوعى بحثًا عن مظلات المساعدات الإغاثية التي تلقيها، من أجل سد جوعهم وأطفالهم، في ظل استمرار حالة المجاعة التي يشهدها شمالي القطاع.
ومنذ الصباح الباكر، يراقب المواطنون عن كثب تلك الطائرات وهي تلقي صناديق المساعدات، ويتتبعون المسار المحتمل لنزولها على الأرض، قبل أن يتدافعوا للحصول عليها، في ظل ندرة الخيارات الأخرى.
ورغم أن مظلات المساعدات هدفها إغاثة أهالي شمالي القطاع وإطعامهم، إلا أنها أصبحت سببًا في قتلهم، إذ استشهد 18 مواطنًا، بسبب عمليات الإنزال الخاطئة لها خلال الأيام الأخيرة.
ووفق المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإن عشرات المواطنين الجائعين دخلوا إلى البحر للحصول على مساعدات ألقتها الطائرات داخله، ما تسبب بغرق العشرات واستشهاد 12 منهم، بالإضافة إلى ستة آخرين نتيجة التدافع في أكثر من مكان كانوا يحاولون الحصول على مساعدات.
وتسبب انفصال صناديق المساعدات عن مظلاتها إلى سقوط جزء منها فوق رؤوس مواطنين، وآخر في البحر، ومنها ما سقط في المناطق الخطرة وداخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويعاني أهالي غزة وشمالها أوضاعًا إنسانية كارثية، بسبب الحصار الإسرائيلي المشدد ومنع سلطات الاحتلال إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى شمالي القطاع، واستمرارها في سياسة التجويع، والتي تستخدمها كسلاح لتنفيذ التهجير القسري ضد المواطنين، في إطار جريمة الإبادة الجماعية.
معاناة وإذلال
أثناء تجولنا في أحد شوارع غزة سقطت إحدى المظلات فوق سطح منزل، وشاهدنا تدافع عشرات الشبان والأطفال نحوه لأجل الحصول على تلك المساعدات.
ويقول المواطن محمد غزال لوكالة "صفا": "في كل مرة أحاول الحصول على أي من هذه المساعدات الجوية لإطعام أطفالي، لكني لا أستطيع، فالناس بمجرد إلقائها تتدافع بقوة للحصول عليها".
ويضيف أن "هذه المساعدات تعد نقطة في بحر، ولا توفر الحد الأدنى من عمليات إغاثة الناس الجائعين في شمال القطاع، كما أن إنزالها الخاطئ تسببت في قتل عدد من المواطنين".
ويتساءل "لماذا يتم إسقاط المساعدات جوًا، وهناك معابر برية يمكن فتحها وإدخال المساعدات الإنسانية عبرها للقطاع، لماذا هذا الإذلال والمعاناة، ألا يكفي قتل الاحتلال لنا؟".
وبحسب منظمات حقوقية وإنسانية، فإن عمليات الإنزال الجوي تعجز عن توفير حجم المساعدات التي يمكن نقلها برًا، "ففي حين أن قافلة مكونة من 5 شاحنات لديها القدرة على حمل حوالي 100 طن من المساعدات المنقذة للحياة، لم توصل عمليات الإنزال الأخيرة سوى بضعة أطنان من المساعدات".
وحذرت من أن عمليات الإنزال يمكن أن تشكل خطرًا كبيرًا على حياة المدنيين الذين يسعون لتلقي المساعدات، داعية لإعطاء الأولية لتوصيل المساعدات الإنسانية للقطاع عن طريق البر.
خطر كبير
المتحدث باسم الدفاع المدني الرائد محمود بصل يقول، في حديث لوكالة "صفا"، إن عملية إنزال المساعدات جوًا تشكل خطرًا على حياة المواطنين وممتلكاتهم، "وهذا ما حذرنا منه منذ اللحظة الأولى لبدء إسقاطها على شمالي القطاع".
ويوضح أن عملية الإنزال الجوي بطريقة غير صحيحة وآمنة أدى لوقوع أكثر من حادثة، خاصة بعدما سقطت فوق مجموعة من المواطنين في منطقة الشمال، وأدت لاستشهاد خمسة منهم.
وفي مخيم الشاطئ غربي غزة، سقطت إحدى مظلات المساعدات على منزل كان يتواجد بداخله سكان، ما أدى إلى تدميره وإصابة من فيه، فضلًا عما حدث يوم الاثنين الماضي حين سقطت أخرى في بحر بيت لاهيا، وأدت لغرق عدد من المواطنين واستشهادهم.
ويشير إلى أن تلك المظلات أحيانًا تسقط داخل الأراضي المحتلة، ما يعرض حياة المواطنين للخطر، ويؤدي لقتلهم من قوات الاحتلال، وأحيانًا تسقط في أماكن خطرة من الصعب الوصول إليها.
وما يتم إسقاطه من مساعدات جوية، كما يبين الرائد بصل، غير مجدٍ، ولا يعادل عدد شاحنات بسيطة تدخل عبر المعابر البرية، لأن احتياجات أهالي شمالي القطاع كبيرة جدًا، ولا تكفي طائرة ولا طائرتين ولا حتى 20 شاحنة، بل بحاجة لإدخال أكثر من 500 شاحنة يوميًا لتغطية العجز فيها.
ويلفت إلى أن المواد الأساسية للحياة في غزة وشمالها غير متوفرة، ومنذ ستة أشهر لم يتم إدخال أي سلع ومواد غذائية للقطاع.
ويبين أن نوعية المساعدات التي يتم إنزالها جوًا تكون غير ضرورية ولازمة، مقارنة بالاحتياجات الأساسية للمواطنين التي لا يُمكنهم الاستغناء عنها لأجل العيش، مثل الطحين والسكر والأرز وحليب الأطفال.
ويتساءل بصل "لماذا لا يُسمح بإدخال المساعدات عبر المنفذ البري، طالما يًسمح بإسقاطها جوًا، لماذا يُصرون على هذه الطريقة، رُغم الضحايا والأضرار التي لحقت بالمواطنين، جراء الإنزال الجوي؟".
والمطلوب وفقًا لبصل، إدخال المساعدات عبر مؤسسات دولية معترف بها على أن يتم تسليمها لجهات رسمية بغزة، لضمان توزيعها على جميع المواطنين، بعيدًا عن حالة الفوضى، ودون المساس بحياتهم، خصوصًا في ظل استمرار المجاعة.