ما بين مدخل قسم الاستقبال والطوارئ المطل شرقا، وثلاجات الموتى المطلة غربا، لا تتوقف حركة ذوي الشهداء في نقل جثامين أبنائهم الملفوفة بالأكياس البيضاء، داخل مجمع الشفاء بمدينة غزة.ب
صمت مطبق من هول الصدمة وعظم الجراح ينقل الأهالي شهداءهم من المشفى إلى مقابر قريبة.
في جولة سريعة في المجمع الطبي الأكبر في قطاع غزة تظهر المتناقضات، ما بين نازحين فارين من الموت بحثا عن حياة، وبين شهداء ضاقت بهم الدنيا انتقلوا إلى ربهم مسرعين بفعل صواريخ الاحتلال.
ما بين الموت والحياة تسابق الطواقم الطبية الزمن علها تتمكن من إنقاذ حياة المئات من الإصابات الحرجة التي تصل تباعا عبر سيارات الإسعاف ومركبات المواطنين.
في مداخل مباني الاستقبال وغرف العمليات تجد الكثير ممن تسطروا أرضا، بعدما لم يجدوا متسعا على الأسرة الممتلئة بالجرحى، وتظهر على أجسادهم الكثير من الشظايا التي تكشف جرائم الاحتلال البشعة بحق المواطنين في غزة.
ما أن تلقي بنظرك على مساحة المستشفى البالغة 42000 م2، حتى تندهش من حجم النازحين الذين دفعتهم غارات طائرات الاحتلال المتواصلة للزحف تجاهه، علهم يجدوا مكانا آمنا يؤويهم بعدما انهارت عليهم منازلهم.
في الأيام الأولى للعدوان، قدرت المصادر المحلية عدد النازحين للمستشفى بخمسة وثلاثين ألفا؛ لكن الأعداد التي تتزايد بشكل مطرد، ربما وصلت للضعف.
حوّل عشرات النازحين سياراتهم المصطفة داخل المشفى مأوى مؤقتا لهم، يقضون فيها أوقات الحرب التي تمر عليهم ثقيلا.
واتخذ المئات من ممرات المستشفى ملجأ لهم ولبعض أمتعتهم التي حزموها معهم في شنط قليلة.
وليس ببعيد عن ثلاجات الموتى يلف عدد من النازحين زوايا الأبنية بقطع من الأقمشة علها تسترهم في نزوحهم.
وبخدمات المستشفى التي بالكاد تكفي للمرضى يحاول النازحون تدبير حياتهم اليومية من ماء، وبعض ما توفر لهم من أطعمة بسيطة، ولا يمكن وصف الظروف التي تحيط بهم إلا بالقاسية.
في داخل المستشفى تلفتك بعض المشاهد التي لم تكن سابقا، فعدد من النازحين اتخذوا من بيع بعض الحاجيات دخلا لهم، علهم يتمكنون من توفير القليل من متطلبات حياتهم اليومية.
وبين هذه المشاهد تنشط حركة الصحفيين الذين تظهر عليهم آثار الإجهاد والتعب وهم يتنقلون بين مجزرة وأخرى يوثقون روايات الموت التي تكتبها طائرات الاحتلال الحربية.
أيام ثقال تمر على أهل غزة، عنوانها القتل والتشريد، في انتظار أن يختفي بارود المعركة، وينزاح غبار الأبنية المتطايرة على رؤوس ساكنيها.