في الوقت الذي يشهد الداخل الفلسطيني المحتل فيه تصاعدًا بالاحتجاجات والمظاهرات المنددة بانتشار الجرائم بشكل مخيف؛ فإن شرطة الاحتلال، ذهبت بتفكير آخر نحو هذه المظاهرات، فأنشأت بقواتها "حزامًا ناريًا".
وبدلًا من أن تحمي شرطة الاحتلال المحتجين ضد الجريمة المتفشية في الداخل؛ جعلت من نفسها جلادًا للمشاركين، وهو ما جعلها تحاصرهم في كل مرة يخرجون للتظاهر ضد قتل أبنائهم.
وتشهد المظاهرات التي تخرج بشكل شبه يومي في الداخل، عقب الارتفاع المريب لجرائم القتل، وسقوط الضحايا على مدار الساعة، اعتداءً من قوات الاحتلال، التي تعزز وجودها، "خوفًا من هذه المظاهرات".
ففي الفريديس، وهي أكثر البلدات التي تشهد سقوط ضحايا بجرائم القتل، اعتدت قوات الاحتلال على مظاهرات عديدة، خرجت تنديدًا بتلك الجرائم.
وأمس، وبعد سقوط جريمة قتل استدعت الشرطة الإسرائيلية قوات معززة بالإضافة إلى مركبة المياه العادمة في محاولة لقمع المتظاهرين.
وسبق ذلك اعتداء الشرطة على مظاهرة جسر الزرقاء، وقبلها في أم الفحم، والناصرة، واعتقال متظاهرين ومحاصرة مظاهرات تشهدها البلدات.
وتنظر قوات الاحتلال إلى تلك الاحتجاجات، على أنها "مقطع من هبة الكرامة، وأنها قد تتحول إلى مظاهرة وطنية في أي لحظة"، كما يرى نشطاء ومختصون.
الحراك يخيفها
ويقول الناشط في الحراك الفحماوي محمد الطاهر جبارين لوكالة "صفا": "إن الشرطة في إسرائيل وُجدت أصلًا لهدفين؛ حماية اليهود، والتنكيل بفلسطينيي الداخل".
ويضيف: "فمن غير المفاجئ أن تعتدي على مظاهراتنا وكان من المفترض أن تخفي الشرطة نواياها لحساسية القضية، إلا أنه من الواضح أنها ضلع فيها".
ويرى أن كل سلوك شرطة الاحتلال وقوات الأمن التابعة له بشكل عام، يسير بشكل ممنهج، وليس عفويًا.
ويستحضر جبارين ما حدث في الحراك الفحماوي الموحد في 26 فبراير، والذي خرج ضد استفحال الجرائم، بتوابيت رمزية.
ويقول: "ما يجري استكمالٌ للاعتداء على الحراك الفحماوي، حينما فضوا المظاهرة".
لذلك، فإن الاستمرارية في الحراك ضد الجريمة، يزعج المؤسسة الإسرائيلية على المستوى السياسي والأمني، يقول جبارين.
ودعا جبارين فلسطينيي الداخل بالاستمرار في الحراك، والتظاهر ضد الجرائم، التي تشترك فيها حكومة الاحتلال وأذرعها و"سنحصد النتيجة".
واتخذت اللجنة القُطرية ولجنة المتابعة في الداخل المحتل قرارات وخطوات احتجاجية مؤخرًا، لمواجهة الجرائم وتواطؤ حكومة الاحتلال مع عصابات الإجرام، والخطوات العنصرية التي اتخذتها ضد الفلسطينيين ومحاولتها إقحام جهاز "الشاباك" في ملف الجريمة، بحجة حلّها.
فترة جديدة
وتمر شرطة الاحتلال كمنظومة أمنية، بفترة يمكن اعتبارها جديدة، في ظل تولي رئاسة ما تسمى وزارة الأمن الداخلي وزيرًا فاشيًا، حسبما يصف المختص بالشأن الإسرائيلي أنطوان شلّحت.
ويقول لوكالة "صفا": "الذي يتولى مسئولية هذه الشرطة حاليًا وزيرٌ متطرف، لا يُخفي مواقفه المعادية للفلسطينيين عامة، ولفلسطينيي الداخل خاصة".
ويشير إلى أنه وبالرغم من أن شرطة الاحتلال بشكل عام، كانت دائمًا معادية لحقوق ومظاهرات الفلسطينيين في الداخل؛ إلا أن سلوكها اليوم، ينبع من روح القائد الذي يقودها.
ويُضيف: "بمعنى أن العنصر في شرطة الاحتلال هو موظف لدى المتطرف الوزير إيتمار بن غفير، لذلك فهو يعلم عقلية القائد، وهو ما يفسر من ناحية الحرية التي تتصرف بها شرطة الاحتلال في قمع الفلسطينيين، حتى في مظاهرات منددة بجرائم القتل".
ومن ناحية أخرى، يستشهد شلّحت بما جرى قبل عقدين، حينما اعتدت الشرطة على هبة القدس والأقصى عام 2000، قائلًا: "حينها خرجت لجنة تحقيق بالقول إن الشرطة كانت تتعامل مع المتظاهرين كأعداء".
ويكمل: "هذا الأمر قبل عقدين، فما بالنا اليوم، لنا أن نتصور كيف تطورت نظرة العِداء للفلسطينيين اليوم أكثر".
خشية تحولها
ويصل إلى نتيجة، بأن "هناك خشية من شرطة الاحتلال كجهاز أمني يتبع لحكومة، من المظاهرات الحالية بأن تتحول إلى مظاهرات لحقوق مدنية وطنية".
ويقول: "تنظر الشرطة إلى أن الفلسطينيين بالداخل أصبحوا على صلة أكثر بكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهذا ما حدث بهبة الكرامة، التي اندلعت دفاعًا على الأقصى وغزة والشيخ جراح، وارتفع بعدها شعار وحدة الساحات".
ولهذا الدور الكبير، أصبحت المنظومة الإسرائيلية كلها، تخشى مظاهرات الداخل، وإمكانية تحولها من مظاهرة للتعبير عن حق، إلى الدفاع عن حقوق وطنية، وهذا يعكس المخاوف المرتبطة بما حدث بهبة الكرامة، ويفسر سلوك شرطة الاحتلال تجاه المتظاهرين ضد الجرائم اليوم، وفق شلحت.