كونها تشكل الحاضنة الجنوبية للمسجد الأقصى المبارك، وخط الدفاع الأول عنه، يجعلها دومًا في عين العاصفة، ومحل أطماع الاحتلال الإسرائيلي وجمعياته الاستيطانية، التي لا تتوانى للحظة عن استهدافها بالمشاريع الاستيطانية والتهويدية.
ونظرًا لأهمية بلدة سلوان المقدسية وموقعها الاستراتيجي، خصصت حكومة الاحتلال 41 مليون شيكل لصالح نشاطات جمعية "إلعاد" الاستيطانية، والتي تسعى للاستيلاء على بيوت المقدسيين في البلدة، لصالح جلب أكبر عدد ممكن من المستوطنين.
وبحسب حركة "السلام الآن" اليسارية الإسرائيلية، فإنه رغم أن الميزانية مخصصة لما يسمى "سلطة الآثار" الإسرائيلية لغرض البحث المستمر والتعريف، إلا أن جميع المشاريع الممولة منها مرتبطة بمبادرات منظمة "إلعاد" الاستيطانية في القدس المحتلة.
تهويد وتهجير
عضو لجنة الدفاع عن أراضي سلوان فخري أبو دياب يقول إن حكومة الاحتلال خصصت جزءًا من ميزانياتها الضخمة لتهويد الجزء الشرقي من القدس، وتحديدًا ما يسمى بـ"الحوض المقدس"، الذي يبدأ من حي الشيخ جراح وصولًا إلى بلدة سلوان والبلدة القديمة.
ويوضح أبو دياب، في حديث لوكالة "صفا"، أن سلوان لها نصيب الأسد من الاستهداف الإسرائيلي، كونها ملاصقة للأقصى والبلدة القديمة من الناحية الجنوبية والجنوبية الشرقية، والأكثر كثافة سكانية، وتحوي كنزًا من الآثار العربية والإسلامية والمسيحية الشاهدة على هوية القدس وعروبتها.
ويضيف أن الاحتلال يعمل على طمس وتجيير هذه الآثار لتُحاكي حضارة وتاريخ يهودي مضلل، لأنه يدعي أن سلوان كانت بداية "مدينة داود" الأولى قبل 3 آلاف عام.
ويشير إلى أن حكومة الاحتلال حولت 41 مليون شيكل كميزانية إضافية لصالح نشاطات الجمعية الاستيطانية، بهدف تهويد سلوان، وطرد أهلها والاستيلاء على منازلهم.
وقسمت الموازنة على مدة عامين، منها 27.5 مليون شيكل للعام 2023 الجاري، و13.5 مليون شيكل للعام 2024 المقبل، وتتضمن استكمال مشروع حفريات أنفاق أسفل سلوان، وحفر بركة سلوان، وغيرها من مشاريع التهويد والاستيطان.
ويبين أبو دياب أن هذا الدعم المالي لأنشطة "إلعاد" الاستيطانية يستهدف استكمال تنفيذ المرحلة الثالثة مما يُسمى مخطط "شاليم" للحفريات، بهدف الكشف عن مواقع أثرية في سلوان، وتعميق الحفريات فوق الأرض وتحتها.
ومخطط "شاليم" التهويدي أعلنت عنه حكومة نتنياهو خلال جلستها التي عُقدت في ذكرى احتلال القدس عام 2017، بغية نزع الهوية العربية الإسلامية عن منطقة جنوب المسجد الأقصى، واستحداث طابع يهودي مزور.
وبحسب الباحث المقدسي، فإن جزء من الميزانية يستهدف استكمال سيطرة الجمعية الاستيطانية على بلدة سلوان، تكثيف الحفريات والأنفاق والحدائق التلموذية فيها، وترسيخ الوجود اليهودي، وتحديدًا في محيط باب المغاربة والأقصى من الناحية الجنوبية.
ويتابع أن الاحتلال يسعى لاستكمال ما يُسمى "مرافق الهيكل"، باعتبارها خطوة متقدمة نحو بناء "الهيكل" المزعوم مكان الأقصى، وخاصة بعدما قطع شوطًا كبيرًا بإقامة هذه المرافق في منطقة القصور الأموية وعين سلوان.
حرب بلا هوادة
ويؤكد أن حكومة الاحتلال بكل أذرعها التهويدية تشن حربًا بلا هوادة على هوية القدس وتاريخها العريق، لأجل خلق واقع جديد ومشهد مزور بصبغة يهودية يطغى على المشهد الحضاري والمعماري العربي والإسلامي الحقيقي للمدينة المحتلة.
ويضيف أن جزءًا آخر من الميزانية يُخصص لاستمرار تهجير أهالي سلوان، والاستيلاء على منازلهم وممتلكاتهم، ولزيادة عدد زوار القدس القديمة وسلوان من اليهود، وتعزيز الجولات التعليمية في المواقع التي تديرها جمعية "إلعاد" بالبلدة.
وتسخير كل أجهزة الاحتلال لخدمة المشروع التهويدي يُدلل- وفقًا للباحث المقدسي- على أن الحكومة اليمينية المتطرفة تدعم وترعى كل المخططات، بغية تغيير المشهد العام في القدس.
ويشير إلى أن الاحتلال يًقسم سلوان إلى عدة أجزاء، ويستهدف أحياءها بشكل متواصل، ولاسيما أحياء وادي الربابة، وادي حلوة، والبستان، كونها قريبة للأقصى.
ويعمل الاحتلال بالتعاون مع جمعياته الاستيطانية على مسح الوجود العربي وتصفيته بشكل كامل في هذه الأحياء، وإقامة مشاريع تهويدية مثل "التلفريك"، والأنفاق والجسور والقبور الوهمية والمسارات التلمودية، وصولًا لخنق المسجد الأقصى ومحاصرته، وإغلاق الأفق والمشهد العام أمامه.
ويوضح أبو دياب أن سلوان تتعرض لأضخم مشروع إسرائيلي يستهدف تغيير وعبرنة شوارعها وأحيائها، فالاحتلال يستخدم التاريخ ويُعيد كتابته بطريقة وأسلوب غير علمي وغير منهجي يتلاءم مع روايته المضللة، وترويجها أمام العالم، كي يُثبت أنها جزء من حضارته و"مملكة اليهود".
ويشدد على أن ما تشهده القدس هو تدمير ممنهج للإرث الحضاري والتاريخي، في ظل صمت المؤسسات الدولية، بما فيها منظمة "اليونسكو" عما يجري دون التحرك العاجل والجدي لوقف التعدي على الآثار العربية والإسلامية بالمدينة.