إلى بلدة نابلس القديمة شمالي الضفة الغربية المحتلة، توجهت الأنظار صباح الخميس بعد اندلاع اشتباكات مسلحة انتهت باستشهاد ثلاثة مقاومين من كتائب الشهيد عز الدين القسام تحصنوا بأحد بيوت حارة الياسمينة.
فبعد أن نفذ المقاومان القساميان معاذ المصري وحسن قطناني عملية إطلاق النار في الأغوار في السابع من نيسان/ أبريل الماضي، التجآ إلى حارة الياسمينة، حيث معقل الأسود وعرينها فاستقبلهم الشهيد إبراهيم جبر واحتضنهم في بيته والتحق بهم شهيدًا.
وعلى مدار سنوات المواجهة مع الاحتلال، كانت البلدة القديمة وفي القلب منها حارة الياسمينة حضنًا دافئًا للمقاومين من أبنائها ومن أبناء فلسطين الذين خضبوا أزقتها بدمائهم، واختلط مسك دمائهم بعبير ياسمينها.
وأعادت معركة الياسمينة الأخيرة للأذهان معارك مشابهة تكررت خلال الأشهر والسنوات الماضية.
وارتبط اسم حارة الياسمينة بمجموعات "عرين الأسود" التي تأسست فيها عام 2022 على يد ابنها الشهيد محمد العزيزي ورفاق دربه من أبناء هذه الحارة ومن مختلف حارات نابلس.
ومنها اقتبس المخرج بشار النجار اسم مسلسله التاريخي الأخير "أم الياسمين" ليرمز به إلى مدينة نابلس وبلدتها القديمة وتاريخها في مقاومة المحتلين.
وعلى أرض حارة الياسمينة استشهد العزيزي وعبد الرحمن صبح بعد أن خاضا اشتباكا مسلحا مع قوات الاحتلال لتأمين انسحاب مجموعة من المقاومين فجر الرابع والعشرين من تموز/ يوليو 2022.
وفيها استشهد القيادي بمجموعة "عرين الأسود" تامر الكيلاني بعملية اغتيال مدبرة بتفجير دراجة نارية مفخخة فجر الثالث والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر.
وبعد يومين استشهد قائد "عرين الأسود" وديع الحوح بعد محاصرة مجموعة من المقاومين بمنزله في حوش العطعوط بحارة الياسمينة والاشتباك مع القوات الخاصة.
وحارة الياسمينة، هي واحدة من ست حارات رئيسة تتكون منها بلدة نابلس القديمة، وهي تقع بالجهة الجنوبية الغربية، وتمتد مبانيها القديمة إلى سفح الجبل الجنوبي "جرزيم" وتلتحم بحي رأس العين المتاخم لها.
وتضم حارة الياسمينة اثنين من أقدم مساجد نابلس، هما مسجد الخضراء ومسجد الساطون الذي يعتبر أول مسجد بناه المسلمون في نابلس بعد فتحها في عهد الخليفة عمر بن الخطاب كما يبين المؤرخ عبد الله كلبونة.
وبسبب موقعها المميز وأزقتها الضيقة والمتشعبة، لعبت حارة الياسمينة دورًا رائدًا في مراحل النضال الفلسطيني.
وبعد احتلال الضفة الغربية عام 1967، اختار زعيم حركة فتح آنذاك الراحل ياسر عرفات حوش العطعوط بحارة الياسمينة ملجأ له، واتخذ منه مركزًا سريًا لتنظيم المقاومة الفلسطينية.
وفي الانتفاضة الأولى عام 1987 شكلت مع حي رأس العين المطل عليها مصدر تهديد لدوريات الاحتلال خلال تنقلها.
ويذكر الحاج أحمد غانم كيف أن الاحتلال لجأ لاستخدام الطائرات المروحية لقمع التظاهرات الشعبية والسيطرة على المواجهات العنيفة التي شهدتها حارة الياسمينة وحي رأس العين مع اندلاع الانتفاضة.
ومن بين من احتضنتهم حارة الياسمينة قائد كتائب القسام الشهيد المهندس يحيى عياش، والذي لجأ مع اثنين من مساعديه لأحد منازلها عام 1994، واستشهد مساعداه بشار العامودي وعلي عاصي جراء قصف المنزل بالصواريخ بعد أن غطيا على انسحابه.
ونالت حارة الياسمينة نصيبها من الدمار عند اجتياح نابلس عام 2002، وقدمت عددًا من الشهداء وهم يدافعون عن البلدة القديمة.
وعشية الاجتياح، قصفت طائرات الاحتلال أحد المنازل عند المدخل الغربي لحارة الياسمينة، ما أدى لاستشهاد شقيقتين من عائلة فريتخ.
وفي الأشهر الأخيرة، كانت حارة الياسمينة مسرحًا لاقتحامات متكررة من قوات الاحتلال ووحداتها الخاصة، انتهت غالبيتها بارتقاء شهداء وإصابة أو اعتقال مقاومين.