أزماتٌ اقتصادية ومعيشية متصاعدة و معدلاتُ فقرٍ وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، ألقت بظلالها الكارثية على العمال واللاجئين الفلسطينيين في الشتات على حدٍ سواء، وجعلت العدد الأكبر منهم يعتمدون على المساعدات المالية المقدمة من منظمات إغاثية مختلفة، في ظل تردي أوضاعهم على المستويات كافة.
و بالتزامن مع يومهم العالمي، الذي يوافق الأول من مايو/أيار من كل عام، يأمل العمال الفلسطينيون في الشتات بواقعٍ أفضل، وقرارات منصفة بحقهم كبقية مواطني الدول التي تستضيفهم.
تضييق فرص التوظيف
الخبير القانوني ورئيس مجلس وجهاء فلسطينيي العراق، أحمد أبو عيشة، أوضح أنّ غالبية العمال الفلسطينيين في العراق حصرت أعمالهم في القطاع الخاص؛ لعدم توفر فرص تعيين في دوائر الدولة؛ نتيجة إلغاء معاملة الفلسطيني معاملة العراقي، الأمر الذي حدّ من فرص التوظيف، باستثناء حالات خاصة ضمن قطاع الصحة وبعض المعلمين في تخصص التربية.
ولفت أبو عيشة في حديث خاص لوكالة "صفا" إلى أنّ الفلسطينيين في العراق يعملون ضمن قطاعات البناء و صناعة الحلويات، وآخرون يعملون كسائقي سيارات أجرة.
وأوضح أنّ أعداد هؤلاء قليلة؛ بسبب مغادرة أغلبهم العراق، حيث لا يتجاوز عدد الأيدي العاملة ٢٠٠٠ شخص.
وحول مطالبهم، بيّن أبو عيشة أنّ العمّال جزء من النسيج العراقي ويأملون بأن تتم معاملتهم معاملة العراقي وفق قانون ينصفهم ويوفر لهم فرص توظيف حكومية.
ويُحرم فلسطينيو العراق من أبسط حقوقهم الإنسانية والخدماتية كلاجئين، ومما ضاعف حجم معاناتهم، وقف معاملتهم كالمواطن العراقي، بعد إلغاء الحكومة العراقية القرار (٢٠٢) لعام ٢٠٠١، القاضي بمعاملة اللاجئ الفلسطيني معاملة العراقي، الأمر الذي أفقدهم أي تعريف أو امتياز قانوني.
وكان المتخصص في أوضاع فلسطينيي العراق محمد مشينش، أوضح في وقتٍ سابق لوكالة "صفا"، أنّ فلسطينيو العراق يجدون صعوبة بالغة في الحصول على فرص عمل، ما يدفعهم للتوجه نحو الأعمال الحرة، وهي الحيز الذي يستطيع الفلسطيني أن يعمل فيه، ورغم ذلك يواجهون تضييقًا مستمرًا.
غياب فرص العمل
وفي لبنان، أكد مدير منظمة ثابت لحق العودة، سامي حمود، أنّ واقع اللاجئين والعمال الفلسطينيين في لبنان ازداد سوءًا في ظل استمرار الأزمات الاقتصادية والمالية التي وصلت إلى مستويات بالغة الخطورة، وبسبب انعدام فرص العمل، وزيادة مستوى البطالة، والفقر، والحرمان من أبسط الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وبيّن حمود في تصريح خاص لوكالة "صفا"، أنّ العائلات الفلسطينية في لبنان أصبحت أكثر فقرًا واحتياجًا في ظل ارتفاع الأسعار والغلاء وانخفاض القدرة الشرائية، موضحًا أنّ الكثير من العائلات تعتمد في دخلها على الزراعة والأعمال الحرفية وعلى المساعدات المقدمة من جهاتٍ مختلفة.
ودعا حمود الدولة اللبنانية إلى إصدار تشريعات قانونية تضمن للعمّال واللاجئين الفلسطينيين الحق بالعمل بدون إجازة عمل والاستفادة من الضمان الاجتماعي، وإلغاء مبدأ المعاملة بالمثل، الأمر الذي يُساهم في تحسين ظروفهم المعيشية.
وكانت "أونروا" أوضحت في تقرير نشرته عبر موقعها الإلكتروني، "أنّ اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وصلت أوضاعهم إلى الحضيض وإلى "نقطة اللاعودة".
عمالٌ بلا عمل
وفي سوريا، أوضح مدير الإعلام في مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا، فايز أبو عيد، أنّ الأزمة السورية وما رافقها من انهيار اقتصادي، أصبحت تهدد بوقوع كوارث على كافة المستويات الحياتية للاجئين، لاسيما الطبقة العاملة التي تعتبر النسبة الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا.
وقال أبوعيد في حديث خاص لوكالة "صفا"، "مع توقف عدة مؤسسات اقتصادية صناعية وتجارية في سوريا بسبب الصراع، وما رافق ذلك من نتائج كارثية على الاقتصاد والنقص الحاد في المواد الأولية والوقود والطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى الإتاوات التي تفرضها أجهزة الأمن والجمارك والتموين على الفعاليات الاقتصادية، وجد مئات العمال أنفسهم بلا عمل بين ليلة وضحاها، وبدأوا برحلة البحث عن وظيفة جديدة يصعب الحصول عليها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
وذكر أنّ أعداد العمال المسرحين في عام ٢٠٢٢ يُقدّر بحسب إحصائيات مجموعة العمل بحوالي 2000 عامل فلسطيني، معظمهم من مخيمات جنوب دمشق مثل، سبينة، السيدة زينب، الحسينية، ومخيم خان دنون.
وأشار إلى أنه ومع نهاية خدمتهم لم يحصل معظم العمال على تعويض نهاية الخدمة، مبينًا أنّ قسم كبير منهم لم يُبلغ حتى آخر أيام عمله بقرار التسريح.
ولفت إلى ارتفاع نسبة البطالة في صفوف اللاجئين الفلسطينيين والسوريين المتواجدين في سوريا؛ لأنّ فئة العمال أكثر الفئات انتشارًا بينهم.
معاملة كالأردنيين
وفي الأردن، أوضح مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، أحمد عوض، أنّ الفلسطينيين في الأردن ينقسمون إلى ثلاثة أنواع في مجال العمل، فالنوع الأول هم الفلسطينيون من قطاع غزة الذين لديهم جوازات سفر مؤقتة لسنتين ومعهم إقامات دائمة، وينطبق عليهم ما ينطبق على العمال الأجانب بكل شيء، من حيث إصدار تصاريح عمل، ويسمح لهم بالعمل في المهن المسموح للعمال غير الأردنيين العمل فيها.
وبيّن أنّ النوع الثاني هم الفلسطينيون الذين يملكون جوازات سفر مؤقتة (5 سنوات) من الضفة الغربية والقدس، منوهًا أنّ هؤلاء يعملون في الأردن كالمواطنين الأردنيين، لكنهم لا يعملون بالوظائف الحكومية، ويقتصر عملهم في القطاع الخاص.
وذكر أنّ النوع الثالث هم الفلسطينيون الأردنيون الذين يملكون رقمًا وطنيًا، وينطبق عليهم ما ينطبق على الأردنيين، ولكن أغلبهم يعملون في القطاع الخاص الخدمي.
وأشار إلى معاناة العمال الفلسطينيين في الأردن، و بشكل خاص الغزيين منهم، الذين لا يستطيعون العمل في الوظائف النظامية أو الشركات، ولا يعملون إلا في الوظائف المسموح للأجانب العمل فيها كالزراعة والإنشاءات، موضحًا أنّ غالبيتهم يعملون في القطاع غير المنظم، إضافة إلى أنّ الكثير منهم غير مشمولين في إطار منظومة الضمان الاجتماعي.
ولفت إلى وجود مطالب جادة بضرورة معاملة هؤلاء كالأردنيين، وإصدار نظام خاص يستثنيهم من إصدار تصاريح عمل، كالتسهيلات الأخرى المقدمة لهم من الدولة.