القدس المحتلة - خاص صفا
يشكل العصيان المدني في مدينة القدس المحتلة شكلًا من أشكال المقاومة والنضال الفلسطيني، الرافض لإجراءات الاحتلال الإسرائيلي وسياساته العنصرية، قد تلقي تأثيرًا دوليًا في حال استمرت واتسع مداها، وستوجه صفعة قوية للحكومة اليمينية المتطرفة، ولوزيرها المتطرف "إيتمار بن غفير".
وتشهد بلدات العيسوية، جبل المكبر، الرام، ومخيم شعفاط وعناتا في القدس، منذ صباح يوم الأحد، عصيانًا مدنيًا، وإضرابًا شاملًا، رفضًا لجرائم الاحتلال وسياساته العنصرية.
وتنفيذًا لقرار العصيان، أغلق شبان مقدسيون الطرقات ومداخل البلدات المذكورة بالحجارة، والإطارات المشتعلة والأخشاب والحاويات، احتجاجًا على سياسة الهدم والتهجير في جبل المكبر، وإجراءات التفتيش والتنكيل على حاجز مخيم شعفاط.
وسبق وأن أعلن أهالي مخيم شعفاط وعناتا في 11 تشرين أول/ أكتوبر 2022، العصيان المدني، احتجاجًا على فرض سلطات الاحتلال حصارًا على المخيم، وإغلاق الحاجز العسكري، بعد عملية إطلاق نار على الحاجز، أسفرت عن مقتل مجندة إسرائيلية وإصابة آخرين.
وبعد حصار استمر خمسة أيام متواصلة، فتح الاحتلال الحاجز العسكري أمام الأهالي، الذين خاضوا عصيانًا مدنيًا ضد إجراءاته الانتقامية بحقهم، شمل تعطيل المدارس وكافة المؤسسات والأسواق، وإضراب العمال لدى مؤسسات الاحتلال، وإغلاق المحلات التجارية باستثناء المخابز والصيدليات ومحال المواد التموينية.
وسيلة مقاومة
والعصيان المدني يعد وسيلة مقاومة جديدة وخطوة متقدمة في مقاومة الاحتلال، والتصدي لجرائمه وانتهاكاته المتواصلة في القدس. كما يقول رئيس مركز القدس الدولي، الخبير في الشأن المقدسي حسن خاطر.
ويوضح خاطر، في حديثه لوكالة "صفا"، أن هذه الوسيلة النضالية ستكون مؤثرة وفاعلة إذا ما اتسعت لتشمل بلدات وضواحي جديدة في المدينة المقدسة، وحتى بالأراضي الفلسطينية ضد الاحتلال، ما سينعكس سلبًا على سياساته التي يحاول فرضها على المقدسيين.
ويضيف، أن ما يفعله الاحتلال في المدينة جرائم غير مسبوقة، تستهدف الأسرى المقدسيين، وهدم المنازل، ومصادرة الأراضي، وبناء المستوطنات، كما تستهدف المسجد الأقصى، والمدارس المقدسية، والعصيان يأتي ردًا على هذه السياسات الخطيرة.
وتنفيذًا لقرار العصيان، التزمت البلدات المقدسية بالعصيان والإضراب الشامل- كما يوضح خاطر- وهناك توسع في الدائرة، واستمراره لأوقات أو أيام محددة يمكن أن يؤثر بشكل كبير وسريع في سياسات حكومة الاحتلال المتطرفة.
ويرى أن العصيان يمثل ردًا فلسطينيًا شعبيًا على سياسات الاحتلال، وأعتقد أنه سيكون بالحجم المطلوب، وسيظهر أثره واضحًا خلال الساعات والأيام المقبلة.
وبحسب خاطر، فإن "هذا العصيان سيلفت انتباه المجتمع الدولي والعالم بأن هناك رفض شعبي فلسطيني تام للجرائم والسياسات الإسرائيلية، وفي حال استمر لأيام سيوصل الرسالة للمجتمع الإسرائيلي، لأن حكومة الاحتلال تعاني تناقضات داخلية كبيرة، مما سيؤجج ذلك".
ويتابع أن" حكومة الاحتلال ذاهبة باتجاه إشعال الحرب في المنطقة بأكملها، ما سيؤدي لزيادة أعداد الرافضين لسياساتها في الشارع الإسرائيلي، وأيضًا على مستوى الشارع المقدسي والفلسطيني".
وبنظر خاطر، فإن الخطوات المقدسية هي بالاتجاه الصحيح، وقد تؤدي لحصار حكومة الاحتلال، ورفض وكشف سياساتها العنصرية على مستوى المجتمع الدولي، والذي يتحفظ مبدئيًا على سياساتها.
وحول المطلوب لإنجاح العصيان المدني، يقول الخبير في الِشأن المقدسي، "إن المطلوب عدم الاستسلام لسياسات وجرائم حكومة الاحتلال ورفع الراية البيضاء، ولابد من إيصال الرسالة بشكل واضح وصريح بأن الاحتلال هو من يستهدف الشعب الفلسطيني بأكمله".
ويضيف خاطر "هذه رسالة قوية لإعادة الاعتبار لمقاومة شعبنا ولمسيرته النضالية في مواجهة الاحتلال، واستعادة حقوقه المشروعة، كما ستوجه صفعة قوية للحكومة المتطرفة، ولوزيرها المتطرف إيتمار بن غفير".
ويؤكد أن الشعب الفلسطيني في القدس لا يُمكن أن تُكسر إرادته، ولن يرفع الراية البيضاء، ولن يسمح بفرض سياسات الاحتلال مهما كان الثمن، بل لديه القدرة على استمرار المواجهة.
رفض الاحتلال
الكاتب المقدسي راسم عبيدات، يرى أن العصيان المدني يعني حالة قطع نهائي مع الاحتلال، وعدم التعاطي معه في كل القضايا المدنية، مثل، "دفع الضرائب والرسوم، والفواتير، والتراخيص، وعدم التوجه إلى العمل في الداخل المحتل، والتخلي عن الهوية الإسرائيلية".
ويوضح عبيدات، في حديثه لوكالة "صفا"، أن ما يجري في بلدات القدس من إضراب وخطوات احتجاجية يأتي كرد طبيعي على الممارسات والعقوبات الجماعية المفروضة على أهل المدينة، ومحاولة الاحتلال حسم الملفات الأساسية بقوة، كالأسرى والاستيطان والهدم.
ويؤكد أن "طرق وآليات تحقيق العصيان في القدس، في ظل هذه الظروف المعقدة، تحتاج إلى جهد كبير ليس من أبناء القدس فقط، بل على المستوى السياسي الفلسطيني".
دعم حقيقي
النائب في المجلس التشريعي المبعد عن القدس أحمد عطون، يقول "إن العصيان المدني يشكل إجراءً طبيعيًا وشكلًا من أشكال المقاومة، رفضًا لسلوك الاحتلال وممارساته في القدس، ويأتي في سياق التصعيد غير المسبوق على المقدسيين".
ويوضح في حديثه لوكالة "صفا"، أن أهل القدس بإمكانياتهم يُعبرون عن رفضهم ومواجهتهم للاحتلال، وهذا العصيان جزء من الوسائل النضالية التي يُمارسها المقدسيون ضد إجراءاته الظالمة، ومحاولته التفرد بأحياء مقدسية.
ويضيف عطون أن المقدسيين يردون اليوم بشكل موحد وكامل وبأحياء مختلفة على الهجمة الاحتلالية بحقهم، وأنهم يتصدون بإمكانياتهم لهذا الاحتلال ويرفضون الوقائع التي يحاول فرضها عليهم.
ويشير إلى أن الفلسطينيين خاضوا في "الانتفاضة الأولى" عام 1987، العصيان المدني في الأراضي الفلسطينية المحتلة ضد الاحتلال، واستمر نحو شهرين، وشمل الإضراب الشامل في الضفة الغربية وقطاع غزة، رفض دفع الضرائب، وإضراب العمال، وحرق هويات مقدسية، وأيضًا عدم التعامل مع مؤسسات الاحتلال.
ونجاح العصيان، كما يؤكد عطون، يحتاج إلى دعم حقيقي ومؤازرة فلسطينية وعربية وإسلامية لدعم مثل هذه الخطوات، وتعزيز صمود المقدسيين في مواجهة إجراءات الاحتلال، وفضح ممارساته وتحميله المسؤولية الكاملة عما يجري.
م غ/ر ش