"القدس عاصمتنا الأبدية"، "العودة حق لا تنازل عنه"، "لن يُقتحم الأقصى، لن يُهجر وأنا حي".. هذه شعارات وطنية خطها شبان مقدسيون على جدران أحياء القدس المحتلة، إلا أن مشهدها لم يرق لقوات الاحتلال الإسرائيلي، التي تُسارع إلى مسحها وطمسها بالطلاء الأبيض، في محاولة لمحاربة الهوية المقدسية.
ودائمًا ما تستهدف قوات الاحتلال خلال اقتحامها بلدات القدس، إزالة الرموز والشعارات الوطنية عن الجدران، ومصادرة الأعلام الفلسطينية والرايات الوطنية المعلقة على أعمدة الكهرباء، وفي الشوارع الرئيسة.
بلدة العيسوية الأكثر استهدافًا وتعرضًا لاعتداءات الاحتلال، تعج جدرانها بالشعارات الوطنية الرافضة لسياساته وإجراءاته العنصرية، والتي تُؤكد أن القدس العاصمة الأبدية لفلسطين.
وتشكل الكتابة على الجدران وسيلة نضالية، وشكلًا من أشكال المقاومة، للتعبير عن رفض الفلسطينيين للاحتلال واعتداءاته الممنهجة والمتواصلة ضدهم، التي تشهد في الآونة الأخيرة تصاعدًا خطيرًا، ردًا على العمليات الفدائية الأخيرة في المدينة المحتلة.
محاربة الهوية
الباحث في شؤون القدس فخري أبو دياب يقول إن حكومة الاحتلال تستهدف الرموز والشعارات الوطنية في القدس، وتعمل على إزالة أي أثر يُدلل على عروبتها وهويتها العربية والإسلامية، بهدف محاربتها وطمسها، لإثبات أنها "صاحبة السيادة في المدينة".
ويوضح أبو دياب، في حديث لوكالة "صفا"، أن استهداف هذه الشعارات ينم عن هوس سياسي وعدم معرفة الاحتلال بكيفية استعادة سيادته على القدس، لذلك يلجأ إلى تنفيذ أمور غير منطقية تتعلق بمصادرة الأعلام والرايات الوطنية وغيرها.
ويضيف أن "حكومة الاحتلال تعيش حالة تخبط وإفلاس، بعد فشلها في ردع المقدسيين ومقاومتهم لإجراءاتها العنصرية، ولا يوجد لديها أي بنك معلومات حقيقي لاستهدافه في المدينة، ولا تُجيد التعامل مع أهلها".
ويبين أن الاحتلال يريد فرض سيطرته وهيمنته على المقدسيين، وإزالة كل الرموز الدالة على هوية المدينة الإسلامية، "لكن كلها محاولات بائسة وفاشلة، لن تُعطيهم أي حق أو سيادة على القدس".
وتتعمد سلطات الاحتلال، وفق أبو دياب، فرض مزيد من القوة والبطش ضد المقدسيين، وتحاول صرف أنظارهم عن مواجهة مخططاته التهويدية والاستيطانية في المدينة، وممارساته بحق المقدسات، وخاصة المسجد الأقصى المبارك.
ويؤكد أن "إجراءات الاحتلال واستهدافه للرموز والشعارات الوطنية بالقدس، لن تردع وتقمع أهلها، ولن تكسر شوكتهم ومعنوياتهم، بل ستزيدهم صمودًا وإصرارًا على مواصلة المقاومة والدفاع عن مدينتهم ومقدساتهم".
والحرب الإسرائيلية حاليًا- كما يقول الباحث المقدسي- تتركز على هوية القدس ومحاربة الوجود الفلسطيني فيها، عبر استعمال الوسائل الممكنة كافة لتحقيق ذلك.
ويشير إلى أن الاحتلال ليس لديه أي أهداف حقيقية بالقدس، سوى القمع والتنكيل بالمقدسيين، وطمس هويتهم، لفرض ما يريده من مخططات ومشاريع تهويدية.
وينوه إلى أن الاحتلال يدعي أن "القدس موحدة وشطرها الشرقي جزء من عاصمته"، لكنه يسعى لإلغاء هويتها الإسلامية العربية عبر إزالة كل الشواهد الدالة على ذلك.
ويشدد الباحث المقدسي، على أن الاحتلال فقد سيطرته على المقدسيين، وفشل في حرف بوصلتهم عن مقاومته، وفي استعادة سيطرته وهيمنته المزعومة على المدينة المقدسة.
أيقونة للثورة
أما الناشط المقدسي ناصر الهدمي فيرى أن استهداف الاحتلال للشعارات الوطنية يأتي في إطار الحرب الممنهجة التي يشنها على الهوية الوطنية.
ويشير الهدمي، لوكالة "صفا"، إلى أن "بن غفير" جاء للحكم ولديه أيدلوجية وفكرة عنصرية متطرفة، مفادها أن" الشعب الفلسطيني مجرد أقلية تعيش تحت حكم إسرائيل"، لذلك لا يعترف بالعلم الفلسطيني ولا بأي شعار ورموز وطنية بالمدينة.
ويبين أن "بن غفير" أصدر أوامره ضد كل من يرفع العلم الفلسطيني، في محاولة لمحاربة الشعارات الفلسطينية الثورية، والتي يعتبرها "تحريضية وعدائية بالنسبة له"، ولا يريد أن يرى أي كيان وأيقونة ورمز لشعبنا الفلسطيني في المدينة المقدسة.
ويضيف أن الشعارات المكتوبة على جدران المنازل والأحياء بالقدس كلها تعبر عن الثوابت الفلسطينية واللغة الثورية التي نعيشها في ظل تصاعد انتهاكات الاحتلال وممارساته، كما تمثل تذكيرًا وتحريكًا لهذه الحالة الثورية، ومظهرًا من المظاهر الرافضة للاحتلال.
وبحسب الهدمي، فإن الاحتلال يعي مدى التأثير النفسي لهذه الشعارات والرموز على العقل الباطني للشعب الفلسطيني، لذلك يعمل على إزالتها وطمسها.