في عام 2020 وبعد تعليق السلطة الفلسطينية التنسيق الأمني مع الاحتلال لبضعة شهور، عاودت واستأنفت العلاقة كما كانت.
ويوم الخميس الماضي، أصدرت قيادة السلطة مجموعة قرارات عقب استشهاد تسعة مواطنين في مخيم جنين، كان أبرزها تعليق التنسيق الأمني والتوجه لمجلس الأمن الدولي.
ويتفق محللان في الشأن السياسي أن السلطة ليس بمقدورها وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، نظرا لبنيتها ودورها الوظيفي الذي يقوم على العلاقة مع الاحتلال.
وعن ذلك، يقول المحلل السياسي بلال الشوبكي إن: "إمكانية تطبيق القرارات الصادرة عن القيادة الفلسطينية، وإن رغب القائمون عليها بوقف التنسيق الأمني، إلا أنها لم تُبْنَ لتكون قادرة على ذلك، بمعنى أن عملية التنسيق الأمني هي شرط أساسي، والتوقف عن ذلك يعني أن تصبح السلطة مستهدفة بالكامل ببنيتها البشرية ومقدراتها المادية".
ويوضح الشوبكي لوكالة "صفا" أن القرار وعلى المدى البعيد في حال تطبيقه بحاجة لرؤية استراتيجية واضحة لكيفية التعامل مع خطوات مماثلة، ورغم أن القرار تعليقًا وليس وقفًا، حيث أن السلطة ستتعرض لتضييق مالي في المرحلة القادمة.
ويشير إلا أن السلطة ليست قادرة على تطبيق القرارات التي اتخذتها ما لم يكن لديها رؤية واضحة لكيفية مواجهة التضييق الإسرائيلي المقابل.
ويعتقد الشوبكي أن الاحتلال لا يتعامل مع الخطوة بشكل جدي، نظرًا لتجارب سابقة وتلويح السلطة بوقف التنسيق الأمني ثم التراجع عنه، إذ أن الاحتلال لا يتعامل مع الأمر على أنه يشكل خطورة تستدعي التدخل السريع.
دور أمني أكبر
ويرجح الشوبكي أن الاحتلال بات يؤدي دورًا أمنيًا أكثر خلال السنوات القليلة الماضية، دون انتظار تدخل السلطة.
ويكشف أن الاحتلال بات يعمد إلى تفعيل بعض الأجهزة التابعة للإدارة المدنية، ما يعني سحب البساط من تحت أقدام السلطة، لصالح إعادة تدخل سلطات الاحتلال بشكل مباشر، الأمر الذي يحدّ من قدرة السلطة على استخدام ورقة التنسيق الأمني كأداة تهديد للاحتلال.
بدوره، يستبعد الكاتب السياسي ساري عرابي أن وقف التنسيق الأمني سيكون له انعكاسات كبيرة على الاحتلال وعلى علاقته بالسلطة.
ويوضح عرابي أن الاحتلال ومنذ انتفاضة الأقصى بات يعتمد على نفسه بالدرجة الأولى، ولا يعول على السلطة كثيرا رغم الفائدة من التنسيق، إلا أن الاحتلال تعلم الاعتماد على نفسه بالدرجة الأولى.
لكن عرابي يرى أن الاحتلال يعول على دور السلطة في ضبط الناس وفي راحة الاحتلال من عبء إعالة الشعب الخاضع للاحتلال، ورسالة من إسرائيل للمجتمع الدولي بوجود سلطة فلسطينية يتحاور معها للاستفادة من أبعاد سياسية واجتماعية.
التنسيق لن يتوقف
ويقول عرابي إن امكانية تطبيق القرارات الصادرة بما فيها وقف التنسيق الأمني ضعيفة، نظرا للشك الكبير في مصداقية قرارات من هذا النوع، بدليل انه ومنذ عام 2015 اتخذت مؤسسات السلطة وحركة فتح توصيات بوقف التنسيق والتنصل من الاتفاقيات وسحب الاعتراف بالاحتلال، ولكن لم ينفذ منها شيء.
ويلفت الكاتب إلى حصول عدة مشاريع استهدفت القضية الفلسطينية، مثل صفقة القرن وحملة التطبيع والعديد من الإجراءات الأمريكية، لم تدفع السلطة لاتخاذ مواقف جذرية في المسار وفي مواجهة الاحتلال والوحدة الوطنية، مشككا في مصداقية القرارات الصادرة.
ويبين أن بنية السلطة المشروط بالتنسيق والقيام بالدور الوظيفي يمنحها عدم القدرة أو تجاوز دورها من داخل المسار نفسه، قائلاً: "التنسيق يعتمد على آليات سرية وأمنية واستخباراتية غامضة لا يراها الناس، وهل التصريحات تعكس فعلا وقفه بصورة جدية وحقيقية أم أن هناك أشكالا من التنسيق تبقى مستمرة لا يعرف بها الناس".
ويشكك عرابي بنوايا السلطة حيال العلاقة الأمنية مع إسرائيل، مؤكدا أن وقف التنسيق يعني المواجهة والاستناد إلى الشعب والوحدة بين مكوناته.
ويرى أن القرارات الصادرة من أجل تعبئة الفراغ السياسي ولتهدئة الناس، ولقول إن القيادة الفلسطينية تفعل شيئا على هذا الصعيد، بعيدا عن وقف التنسيق الأمني بشكل جدي.
وبحسب الكاتب فإن: "السلطة مشروع سياسي منتهي، والاحتلال يتمدد على حسابها وعلى وجودها وهذا يعري مشروعها بشكل كبير جدًا، وحكومة الاحتلال الحالية لا تقيم وزنًا كبيرًا للسلطة أو لأهميتها ومصالحها وصورتها أمام الجماهير بعكس الحكومة السابقة مثلا".
ويضيف: "سواء استمر التنسيق أم لم يستمر، فإن حكومة الاحتلال لا تعير اهتمامًا للسلطة، والسلطة سوف تعاني أكثر لأن مشروعها السياسي فعليًا منتهي".