مهّد الاتفاق الائتلافي الموقع بين حزب الليكود وأحزاب اليمين الصهيوني، الطريق لعودة المستوطنين إلى مستوطنة "حومش" التي أخليت من المستوطنين بقرار من رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق وزعيم حزب الليكود أرئيل شارون قبل 17 عاما.
وأخليت مستوطنة "حومش" الواقعة في منتصف الطريق بين محافظتي نابلس وجنين شمال الضفة الغربية المحتلة، ضمن خطة الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من مستوطنات قطاع غزة وأربع مستوطنات شمال الضفة الغربية عام 2005.
ونشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" قبل أيام ما قالت إنه الخطوط العريضة للحكومة اليمينية الإسرائيلية الجديدة، مبينة أنه سيكون أمامها مشاريع قوانين حاسمة من بينها تعديل قانون الانفصال عن مستوطنات قطاع غزة، ليضمن عودة المستوطنين إلى "حومش".
وأقيمت مستوطنة "حومش" عام 1982 على مئات الدونمات في منطقة جبل القبيبات بأراضي بلدتي برقة شمال نابلس وسيلة الظهر جنوب جنين.
ورغم مرور 17 عاما على إخلائها، لم يتمكن أصحاب الأراضي من العودة إليها أو الاستفادة منها.
وعلى النقيض من ذلك، تحولت إلى بؤرة لإرهاب المستوطنين الذين عادوا إليها، واتخذوها نقطة انطلاق لمهاجمة المزارعين ولممارسة أعمال العربدة على شارع نابلس- جنين.
فبعد إخلائها، عمد المستوطنون لاقتحامها في أعيادهم ومناسباتهم، وشيئًا فشيئًا اعتادوا على التواجد بشكل دائم فيها وإقامة مدرسة دينية.
وتعتبر بلدة برقة الخاسر الأكبر من إقامة المستوطنة حيث تبلغ مساحة الأراضي المصادرة فعليا من أراضيها 900 دونم، بالإضافة إلى 50 دونما من أراضي سيلة الظهر.
ورغم قيام الاحتلال بإخلاء المستوطنة وهدم مبانيها، إلا أنه منع المواطنين من دخولها بحجة أنها منطقة عسكرية.
وبعد سنوات من الانتظار، لجأ أصحاب الأراضي عام 2011 لمنظمة "ييش دين" الحقوقية الإسرائيلية لانتزاع قرار يمكنهم من الوصول إلى أراضيهم واستصلاحها وزراعتها.
ونجحت هذه المنظمة عام 2013 باستصدار قرار من المحكمة العليا الإسرائيلية بعودة الأراضي لأصحابها الفلسطينيين ومنع حملة الهوية الإسرائيلية من دخولها.
واعتبر هذا القرار إثبات على أن المستوطنة أقيمت على أراض مصادرة ولم تكن هناك أي عمليات بيع من المواطنين.
لكن القرار بقي حبرًا على ورق، وكان تنفيذه لصالح المستوطنين، فحرم الفلسطينيون من دخول المنطقة فيما سمح للمستوطنين.
وقال رئيس مجلس قروي برقة جهاد صلاح لوكالة "صفا": "إنه على مدار سنوات حاولنا الوصول إلى أراضينا لاستصلاحها وزراعتها، لكن في كل مرة يتم اقتلاع وتخريب ما نزرعه".
وأوضح أن هناك قضية مرفوعة لدى المحكمة العليا الإسرائيلية للسماح لأصحاب الأراضي بالوصول إلى أراضيهم بحرّية ومنع المستوطنين من دخولها.
لكن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تعمدت المماطلة ولجأت للتحايل للامتناع عن تنفيذ القرارات القضائية.
متمسكون بأراضيهم
بدوره، قال ضرار أبو عمر مدير جمعية الإغاثة الزراعية بنابلس وأحد سكان بلدة برقة لوكالة "صفا" إن الأهالي لم يتخلوا للحظة عن أراضيهم، بل بذلوا كل ما بوسعهم لاستعادتها، لكن كانوا دائما يصطدمون بإجراءات الاحتلال واعتداءات المستوطنين.
ولفت إلى أنه بعد تفكيك المستوطنة وضع الاحتلال المنطقة كمنطقة عسكرية مغلقة يمنع على المواطنين الوصول إليها، وتم الاعتداء على عشرات المواطنين خلال محاولاتهم الوصول إلى أراضيهم واستصلاحها وزراعتها.
وفي العام الماضي توجهت مجموعة من المواطنين لزراعة أراضيهم، فهاجمهم أكثر من 60 مستوطنا، ونجوا بصعوبة ووقعت في صفوفهم إصابات خطيرة.
وقامت وزارة الزراعة والإغاثة الزراعية بين عامي 2006-2007 باستصلاح عشرات الدونمات في المنطقة وزراعتها وحفر آبار، لكن المستوطنين الذين عادوا للمنطقة تحت بصر الاحتلال، دمروا الآبار والغرف الزراعية والجدران الاستنادية.
وأضاف "كان هناك تصريح من الاحتلال للمستوطنين بمنع أصحاب الأراضي الشرعيين من الوصول إليها، والآن تحاول الدعاية الإسرائيلية أن تصور بأن هذه الأراضي مهجورة ومتروكة".
وأكد أن جيش الاحتلال والحكومات الإسرائيلية كانت معنية ببقاء المنطقة فارغة لاقتناص أول فرصة للعودة إليها.
وأشار إلى أن هناك مخاوف حقيقية من عودة المستوطنين والتي تعني العودة للتضييق والاعتداءات على الأهالي.
وأردف "هناك أطماع كبيرة وواضحة من خلال تصرفات المستوطنين واعتداءاتهم على المواطنين في أراضيهم بالمنطقة".
وخلال الشهور الماضية وقعت أكثر من 10 اعتداءات على المواطنين في محيط المستوطنة، وهذه الاعتداءات باتت مؤشرا يستشعر منه الأهالي خطورة كبيرة لعودة المستوطنين.
وبين أبو عمر أن العودة لحومش تعني عودة الاستيطان في المنطقة ضمن خطة للسيطرة على عشرات آلاف الدونمات والتلال في المنطقة الممتدة من جبل القبيبات إلى الأغوار شرقا.
ولفت إلى أن هناك حديثا خطير عن إعادة إحياء الشارع الالتفافي المار غربي برقة، وهذا سيؤدي لمصادرة آلاف الدونمات الزراعية وتقطيع أوصال المنطقة وزيادة الحواجز والتضييق وتقييد حرية السفر والتنقل.
وإذا أعيد الشارع الالتفافي سيؤدي ذلك إلى عملية فصل كاملة تماما كحاجز زعترة الذي يفصل شمال الضفة عن وسطها.
أطماع قديمة ومستمرة
ويعتقد أبو عمر أن الاحتلال اضطر لإخلاء مستوطنة "حومش" لأن وجودها كان مكلفا جدا للاحتلال، وأن الخروج منها كان خروجا تكتيكيا لأهداف محددة، لكن أطماعهم لم تتوقف بالمنطقة.
وقال: "هم يسعون لضم كل الضفة والسيطرة على أوسع مساحة من الأراضي وتكرار سيناريو النكبة في الضفة الغربية من خلال مصادرة أراضي مناطق (ج).
ولفت إلى أن "حومش" تتربع على موقع استراتيجي يمكن رؤية ثلثي مناطق فلسطين منها، وهو ما دفع نتنياهو خلال زيارة قام بها للمستوطنة في أواسط التسعينات لحث المستوطنين على التمسك بها وعدم تركها تحت أي ظرف.
وأكد أن الأهالي سيبذلون كل جهد ممكن لمنع المستوطنين من العودة وتثبيت أقدامهم في المنطقة مهما بلغت التضحيات، والتصدي لأي محاولة للاعتداء على سكان المنطقة.