تعمل سلطات الاحتلال الإسرائيلي بوتيرة متسارعة على تهويد مساحات واسعة من أراضي مدينة القدس المحتلة، وتحديدًا في محيط البلدة القديمة والمسجد الأقصى المبارك، عن طريق تسجيل ملكيتها باسم عائلات يهودية وجمعيات استيطانية، بهدف الاستيلاء على ما تبقى من أملاك فلسطينية في المدينة.
وبدأت ما تسمى وزارة "القضاء" الإسرائيلية بتسجيل ملكية أراضٍ واسعة تابعة للأوقاف الإسلامية، وأخرى لفلسطينيين فيما يسمى بـ "الحديقة الأثرية" جنوب المسجد الأقصى، ضمن مشروع "تسجيل وتسوية الأراضي" في المدينة المحتلة.
وفي نيسان/أبريل الماضي، أدى تطبيق المشروع على حي الشيخ جراح إلى تسجيل قسم من الأراضي في الجزء الشرقي والغربي منه، لصالح يهود ادعوا ملكيتها قبل عام 1948 دون أي إثبات أو وثائق، رُغم أن الأهالي قدموا كواشين طابو تركي، إلا أن محكمة الاحتلال رفضت النظر فيها.
وتدعي سلطات الاحتلال أن معظم القسائم التي بدأت فيها إجراءات تسجيل الأراضي هي "ملكية يهود"، أو ملكية "القيّم على أملاك الغائبين"، وفي بعضها يقوم "القيم الإسرائيلي" بالدفع قدمًا لبناء أحياء للمستوطنين.
ورصدت حكومة الاحتلال في عام 2018، ميزانية بقيمة 16 مليون دولار، لتنفيذ المشروع، بادعاء "دفع وتسهيل البناء الفلسطيني، وتحسين نوعية حياة الفلسطينيين" بالقدس، إلا أنها في حقيقة الأمر تعد خطة للاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي وضمها للمستوطنات، وتكريس قسم كبير منها لصالح الجمعيات الاستيطانية.
سرقة ما تبقى
الباحث في شؤون القدس فخري أبو دياب يوضح أن الاحتلال بدأ العمل على الخطوة الثانية من تسوية الأراضي جنوبي الأقصى وتسجيلها، خاصة في بلدة سلوان الحاضنة الجنوبية للمسجد، بعدما انتهى من تسجيل مساحات وأحواض أراضٍ في الشيخ جراح وبلدة بيت صفافا.
ويقول أبو دياب، في حديثه لوكالة "صفا"، إن الاحتلال يستهدف من وراء تسوية الأراضي وتسجيلها بأسماء شخصيات وعائلات يهودية، وجمعيات استيطانية، سرقة ما تبقى من الأراضي الخاصة والوقفية جنوبي الأقصى، لتهيئة المنطقة لمشاريع تهويدية مستقبلية.
ويشير إلى أن سلطات الاحتلال تدعي، وفق قانون "أملاك الغائبين"، أن أصحاب هذه الأراضي غير مقيمين بالقدس ويعتبروا غائبين، وأن كل من لم يشارك في إجراء التسوية سيتم تسجيل أرضه بأسماء يهود.
ووفق المشروع الإسرائيلي- سيتم تسجيل ووضع اليد على 50% من أراضي جنوب الأقصى، البالغ مساحتها نحو 5 آلاف دونم، وسيتم تحويلها لصالح يهود وجمعيات استيطانية، وأيضًا استكمال تسوية أوضاع ما تبقى من أراضٍ مقدسية حتى نهاية عام 2025.
ومنذ احتلال القدس عام 1967، لم تسجل سلطات الاحتلال ملكية الأراضي في المدينة، وحتى اليوم، هناك أكثر من 90% من أراضي شرقي القدس، غير منظمة أو مسجلة بملكية أحد في سجلات وزارة "القضاء" الإسرائيلية.
ويوضح الباحث المقدسي أن سلطات الاحتلال وجمعياتها الاستيطانية تستهدف المنطقة الجنوبية للأقصى، لتهويدها والانقضاض على المسجد، عبر سرقة ما تبقى من أراضي سلوان وتحويلها إما لـ"قبور وهمية" أو "حدائق توراتية" أو عن طريق تسوية وتسجيل تلك الأرضي بأملاك يهودية.
الانقضاض على الأقصى
وتشكل إجراءات التسجيل "قفزة إلى الأمام في مخطط تهويد القدس، وسيطرة الاحتلال على جنوب المسجد الأقصى، التي تعد المنطقة الأكثر حساسية في المدينة المقدسة".
ويرفض المقدسيون التعاون مع مؤسسات الاحتلال في مجال تسجيل الأراضي وتسويتها، خوفًا من السيطرة عليها، اعتمادًا على قانون "أملاك الغائبين"، أو تسريبها، وتحويلها للمستوطنين أو استغلالها في مشاريع مستقبلية.
ويلفت أبو دياب إلى انتهاء إجراءات تسوية وتسجيل نحو 183 دونمًا من أراضي منطقة القصور الأموية جنوبي الأقصى ومحيطها، باسم يهود وجمعيات استيطانية.
ومع مطلع العام المقبل 2023، تعتزم سلطات الاحتلال البدء بتسوية أراضي قلنديا وكفر عقب وسميرميس، بهدف إدخال أراضٍ تزعم أنها تعود لإسرائيليين ولجمعيات يهودية، وتسجيلها وإدخالها ضمن الخطط الهيكلية للمشاريع التوسعية الاستيطانية المنوي تنفيذها شمالي القدس.
ويؤكد أبو دياب أن الاحتلال يسعى لتغيير واقع الأراضي المقدسية سواء الخاصة أو الوقفية، لتهيئتها لمزيد من المشاريع التهويدية والاستيطانية المستقبلة، وإزالة كل الدروع الحامية للمسجد الأقصى، وصولًا للانقضاض عليه، خاصة مع التغييرات السياسية التي تشهدها "إسرائيل".