قبل 55 عامًا، كان المواطن محمد عابدة طفلًا يجهل معاني الكلمات، لا يعلم ما الاحتلال وما المستوطنة التي طالما اجتازها بصحبة والدته حتى يصل إلى أرضه وسط تجمع "غوش عتصيون" الاستيطاني المقام منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967.
وبعد هذه السنوات الطويلة، بات عابدة (60 عامًا) عنوانًا للصمود في المنطقة وشوكة في حلق الاستيطان، كالقابض على الجمر في مواجهة مخططات الاحتلال واعتداءات المستوطنين اليومية.
ويضم تجمع "غوش عتصيون" الواقع جنوب غربي محافظة بيت لحم 18 مستوطنة، من أبرزها "كفار عتصيون" التي أقيمت منذ احتلال الضفة قبل 55 عامًا.
وتطوق أربع مستوطنات أرض المواطن محمد عابدة، وتكبل مداخلها؛ إذ يحدها من الشرق والجنوب مستوطنة "مجدال عوز"، ومن الشمال تحاذيها مستوطنة "أفرات" ويحاصرها من الغرب شارع 60 الاستيطاني ومستوطنة "إليعازر".
وتبلغ مساحة أرض عائلة عابدة نحو 108 دونمات، حولت بمجهود شخصي إلى "جنة" من كروم العنب وبساتين اللوز والتفاح محفوفة بأشجار الزيتون المعمرة.
ويصف عابدة تضاريس أرضه بـ"الواد الأخضر المحروس بين دفتي جبلين، أهدهما يربض عليه بيوت الصامدين من الأهالي رغم تضييق الاحتلال ومستوطنيه، والآخر امتدت إليه خضرة الوادي".
ويوضح، في حديثه لوكالة "صفا"، أن والدته كانت تحرص على زيارة الأرض حتى في غير موسم العمل بها وزراعتها.
ويقول عابدة: "كانت والدتي تحرص على أن نُعمّر الأرض بعيوننا قبل أيدينا، وأن نتنفس هواءها الذي هو ملكنا رغم كل المخاطر".
واستشهدت والدة عابدة إلى جانب شقيقه برصاص الاحتلال عام 2002، بعد اجتياح قوات الاحتلال مدينة بيت لحم.
ويبيّن المواطن أنه ورث حب الأرض من والدته ونذر ما تبقى من عمره في رعايتها، مضيفًا أنه "أنفق نحو 487 ألف شيكل لاستصلاحها وعنايتها".
ويتابع "أرضنا أمانة ورثناها عن أجدادنا وسنحفظها حتى نورثها لأبنائنا، ولا يهون علينا عرقنا الذي جبل بترابها حتى آلت إلى ما هي عليه اليوم".
ويتعرض عابدة وعشر عائلات أخرى من أصحاب الأراضي التي تتوسط تجمع "غوش عتصيون" الاستيطاني لاعتداءات المستوطنين المستمرة ومحاولات السيطرة على الأراضي.
ويشير إلى اعتداء قوات الاحتلال ومستوطنيه على الأهالي والمتطوعين قبل أسابيع، أثناء قطف ثمار الزيتون.
كما تعيق حواجز الاحتلال في كثير من الأحيان وصول أصحاب الأراضي غير القاطنين بالقرب منها، خاصة في أوقات توتر الأوضاع الأمنية في المنطقة.
ويلفت عابدة إلى رفضه عروضًا من جمعيات استيطانية بمبالغ مهولة لبيع أرضه وتسريبها، مضيفًا أن "كل مال الدنيا لا يساوي أرضي، ولن أفارقها حتى تفارق روحي جسدي".
ويسلك المواطن في طريقه إلى أرضه طريقًا فرعيًا من شارع استيطاني جرت فيه عدة عمليات فدائية وأعدم فيه شهداء كثر.
وتمنع سلطات الاحتلال عابدة وأصحاب الأراضي من البناء، في حين تمكن الأهالي بعد صراع طويل من توصيل شبكة المياه والكهرباء إلى المنطقة.