تعدّ رواتب معلمات رياض الأطفال في غزة واحدةً من أقل الأجور الشهرية معدلاً مقارنةً بالعديد من الوظائف والأعمال، في معدل بطالة فاق الـ50% من القوى العاملة.
وعدا عن بعض "الاستبدادية" والتنمّر التي تمارسه بعض مديرات رياض الأطفال؛ ومهام تشمل تعليمًا وإشرافًا على أطفال (3-5 أعوام) واحتياجهم البيولوجي اللانهائي؛ فإن أجور بعض أولئك المعلمات والآذنات لن يصل حتى 250 شيكل شهريًا، ما يعني أن "تهوّر" إحداهن لشراء أزهد أصناف الإفطار اليومي واستخدام المواصلات العامة سيكلفها مرتبّها كله!
إحدى هؤلاء "الضحايا" هي (أ.ح)، التي تعمل معلمةً وآذنةّ ومرافقةً لحافلة التلاميذ ذهابًا وإيابًا بأجر شهري قيمته 200 شيكل.
ويتراوح رواتب معلمات رياض الأطفال في القطاع ما بين 200 شيكل حتى 700 في أفضل الحالات.
وبحسب متابعة حثيثة أجراها مُعد التقرير على مدار أسابيع؛ فقد رصد أن أوفر أولئك السيدات والآنسات "المتعددات المهام" حظًا لن تتقاضى أكثر من 700 شيكل في أندر الحالات.
(أ.ش)، التي مضى على عملها في إحدى روضات وسط القطاع 7 سنوات؛ أخفقت مرارًا في الحصول على زيادةٍ في مرتبها الذي أمامه الكثير ليصل إلى 100$ شهريًا، لكن "بلا جدوى".
وتضيف لمراسل وكالة "صفا" أن عملها يبدأ بحلول السابعة في رحلةٍ متعددةٍ الوجهات لجمع الأطفال الناعسين من منازلهم وصولاً إلى الروضة. "لا تنتهي مهمتي هنا؛ فتتنوع من إسكات البكائين والخائفين ومرافقتهم للمرحاض وعمل اللازم والتأكد من تناولهم الإفطار.. فيما صرخات "بدي ماما" أو "بدي أروّح" لا تنتهي إلا بعودتهم".
هؤلاء الآذنات والمعلمات اللائي حرصن كلهنّ على الاكتفاء بإظهار أسمائهن رموزًا خشية "الفصل والانتقام" من مديراتهنّ يشعرن أنهنّ ممنوعاتٍ من التعليق والتفاعل أو حتى طرح معضلتهنّ على مواقع التواصل الاجتماعي، وإلا سيكون أجرها "المسحوق" الذي تقاضته قبل أيام سيكون الأخير.
وتشير تلك المعلمة "السوبر" إلى أن كافة المعلمات عاجزات عن المطالبة بأجورٍ لا تصل حتى إلى حقوقهن وبالتالي: "نرضى بالفتات مع الكثير من الألم".
وتلفت إلى أن من يحدد ما يُسمى بـ"الأجور" هو مديرة الروضة فحسب؛ "فلا توجد روضة تخسر ماليًا، فجميعا تعمل بشكل جيد، حتى أن مبيعات المقصف كفيلة "بدفع الأجور"؛ عدا ذلك فإن أهالي الأطفال ملتزمون بدفع الرسوم شهريًا وتكاليف الكتب وغيرها دون تأخر"، حسب قولها.
وحتى هذا "الأجر" الشهري الذي لا يُسمن ولا يُغني من جوع؛ فإن (خ.ع) التي تعمل منذ 13 سنة في رياض الأطفال تؤكد أن الهدايا التحفيزية للتلاميذ تكون أحيانًا مبادرةً ذاتيةً من المعلمة المتعددة المهام.
وتقول: "أجري 300 شيكل، بالكاد يشتري ثوبين يكسياني، فيما لا تنتهي توسّلات الأهالي لي ولزميلاتي بضرورة الاعتناء "أكثر" بصغارهم... "لا أحد هنا يُقدّر ما نقوم به".
ولا يختلف اثنان على أن رياض الأطفال هي مشاريع ربحية من الطراز الأول- كما تُجمع العديد من المعلمات التي التقى بهنّ معد التقرير، بدءًا من زيّ التلميذ بكلفة 15 شيكلاً ويباع بـ50 للطفل، ومرورًا بمبيعات القرطاسية التي يتضاعف سعرها عما تبيعه المكتبات التجارية، وليس انتهاءً بأصناف الحلوى في مقصف الروضة.
وتشدد المعلمة (ع) على أهمية وجود رقابة من وزارة التربية والتعليم أو العمل على الرواتب؛ مؤكدةً أن غياب نقابة للرياض ساهم بشكل كبير في تردي أجورهنّ.
وترى تلك المعلمة أن التفكير في الاحتجاج أو رفض وظيفتها "السوبر" يمثّل للأسف حلمًا بالنسبة للأخريات اللائي يسعين لكسب المال لهنّ أو لعائلاتهنّ الفقيرة، "هناك طوابير طويلة من الشابّات تحلم بأن تعمل في روضة".
بدورها، تعتقد (ش.ص)، مديرة روضة بخان يونس أن أجرًا شهريًا بقيمة 300 شيكل يعتبر "جيدًا"، في الوقت الذي تبلغ قيمة الرسوم الشهرية لروضتها 50 شيكلاً.
وتشير المديرة إلى أن زيارات وفود وزارة التربية لمؤسستها لم تبحث مطلقًا قضية أجور عاملاتها، فيما يبحثون فقط "جودة التعليم المقدم للتلاميذ".
يُذكر أن إجراءات ترخيص الروضة تتم عبر الوزارة التي تشترط أن تكون المعلمات حاصلات على درجة بكالوريوس (تعليم أساسي) إلى جانب شهادة حسن سلوك من وزارة الداخلية.
وتكشف لـ"صفا" عن وجود معلمات يحملنّ شهادة ثانوية عامة ويعملنّ في بعض رياض الأطفال، وبعضهنّ لا يحملنّ أي شهادة ويعملنّ منذ سنوات طويلة، عدا ذلك هناك رياض أطفال تعمل دون ترخيص ولا تلتزم بأي شروط، ولم يحاسبها أحد، بحسب قول عدة معلمات.
من جانبها، تؤكد مديرة وحدة الترخيص والاعتماد المدرسي في وزارة التربية والتعليم بغزة منى الصادق لمراسل "صفا"، أنه تحديد رواتب المعلمات من اختصاص وزارة العمل.
أما وزارة العمل بغزة، فردت على لسان مدير الإدارة العامة للتفتيش وحماية العمل، حسين حبوش بالقول: "تواجهنا مشكلة تدني الأجور في رياض الأطفال نتيجة عدم وضع لجنة متابعة العمل الحكومي حدًا أدنى للأجور؛ ما أعطى المجال لأصحاب العمل تحديد الأجر.
ويشدد على أن القصور في ملف الرياض يتمثل في عدم وضع حد أدنى للأجور يلتزم به صاحب العمل أسوة بالضفة الغربية، الذي تم تحديده هناك بـ 1880؛ لافتًا إلى أن ظروف القطاع من حصار وأوضاع اقتصادية حالت دون تطبيق تلك الخطوة.