يُحيى أبناء شعبنا الفلسطيني هذه الأيام الذكرى الـ22 لهبة القدس والأقصى، التي اندلعت في الداخل الفلسطيني المحتل؛ رفضًا لتدنيس رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون المسجد الأقصى المبارك.
واستمرت الهبة على مدار ثمانية أيام شهدت مظاهرات ومواجهات عنيفة من قوات الاحتلال، واستشهد فيها 13 فلسطينيًا من الداخل الفلسطيني المحتل.
واندلعت الهبة ردَا على اقتحام رئيس المعارضة الإسرائيلية وقتها أريئيل شارون، بموافقة من رئيس الحكومة آنذاك أيهود باراك، للمسجد الأقصى، يرافقه مئات الجنود وعناصر شرطة الاحتلال، مما أشعل مواجهات دامية في المسجد.
وعلى إثر تدنيس شارون للمسجد الأقصى وانتهاكه، أقرت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الداخل المحتل إعلان إضراب شامل وعام في أراضي الجليل والمثلث والنقب، في الأول من أكتوبر.
وردّت شرطة الاحتلال على نجاح الإضراب والتظاهرات بعنف وإطلاق الرصاص على المتظاهرين، فانتهى اليوم الأول بارتقاء ثلاثة شهداء من الداخل، أعقبه استمرار المواجهات بين الفلسطينيين في أراضي الـ48.
وتواصلت المواجهات لثمانية أيام تخللتها تظاهرات ومواجهات بين المواطنين العزّل في الداخل وقوات الاحتلال، وسط إغلاق طرقات رئيسية لا سيما شارع وادي عارة.
وحينها أصدر رئيس حكومة الاحتلال أيهود باراك ووزير شرطته شلومو بن عامي أوامر بفتح محاور الطرق "بأي ثمن"، وهو ما شكّل ضوءًا أخضرًا لتصعيد عناصر شرطة الاحتلال اعتداءاتها وهمجيتها بإطلاق الرصاص الحي واستخدام القناصة في قمع الهبة والتظاهرات.
وخلال الأيام الثمانية، ارتقى 12 شهيداً من الداخل الفلسطيني، وشهيد من دير البلح (وسط قطاع غزة) كان يعمل في مدينة أم الفحم في الداخل وانضم للتظاهرات.
وشهداء هبة القدس والأقصى هم: رامي غرة، أحمد ومحمد جبارين، أسيل عاصلة، علاء نصار، وليد أبو صالح، عماد غنايم، إياد لوابنة، مصلح أبو جرادات، محمد خمايسي، رامز بشناق، عمر عكاوي ووسام يزبك.
انتقام ومحطة فارقة
وحاولت حكومة باراك الالتفاف على استشهاد المواطنين الـ13 بتشكيل لجنة فحص، لكن أهل الداخل فرضوا على الحكومة تشكيل لجنة تحقيق رسمية.
وشكلت حكومة الاحتلال لاحقًا لجنة تحقيق برئاسة القاضي ثيودور أور، لكن اللجنة حمّلت بعد عامين من المداولات، المسؤولية لثلاثة من قادة الفلسطينيين بالداخل، واتهمتهم بتأجيج المشاعر في الداخل الفلسطيني وحرضوا على العنف.
والقيادات هم زعيم حزب التجمع الوطني الديمقراطي المفكر العربي عزمي بشارة، ورئيس الحركة الإسلامية الشمالية الشيخ رائد صلاح، وعضو الكنيست المحامي عبد المالك دهامشة عن الحركة الإسلامية الجنوبية.
وشكلت هبة القدس والأقصى نقطة تحول مفصلي في حياة الفلسطينيين بالداخل، وكانت عاملاً بارزاً على غرار يوم الأرض في بلورة الهوية الفلسطينية، ولا سيما عند الأجيال الجديدة.
وفي ذات الوقت شكلت الهبة نقطة فارقة في مخططات الحكومات الإسرائيلية لكسر الهوية الوطنية وتفتيت المجتمع الفلسطيني في الداخل، ومنع أي شكل من أشكال التنظيم القومي.
وأطلقت حكومات الاحتلال المتعاقبة سلسلة من محاولات ملاحقة الحركة الوطنية والتيار الإسلامي في الداخل، فلاحقت ولفقت ملفاً أمنياً للمفكر بشارة، اضطره للخروج إلى المنفى قسرًا.
كما لاحقت حزب التجمع الوطني، وحركة "أبناء البلد" والحركة الإسلامية الشمالية، التي حظرها في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015.
الهجمة مستمرة
وتأتي ذكرى هبة القدس والأقصى في ظل تصعيد خطير من "إسرائيل" في هجمتها على المسجد الأقصى، الذي شهدت باحاته ولا تزال اقتحامات آلاف المستوطنين، زادت حدتها خلال الأعياد اليهودية بـ26 سبتمبر وتستمر طوال شهر أكتوبر.
وشهدت باحات الأقصى مواجهات واشتباكات عنيفة على أثر اقتحامات المستوطنين، والاعتداء على المرابطين من قوات الاحتلال التي نشرت عناصرها في المسجد بشكل كبير، محاولة إخلاء المرابطين.
ولكونهم خط الدفاع الأول عن الأقصى، بظل منع أهل الضفة وغزة من الوصول إليه، اعترضت قوات الاحتلال حافلات أهالي الداخل الذين شدوا الرحال للدفاع عنه والتصدي للاقتحامات خلال الأعياد اليهودية.
وقال الشيخ كمال الخطيب لوكالة "صفا": "إن الاحتلال ينظر إلى أهل الداخل نظرة عدائية منذ هبة القدس والأقصى عام 2000، التي تلاحموا فيها مع أهل القدس للدفاع عن المسجد والتصدي لاقتحام المجرم شارون".
وأضاف أن الاحتلال يعلم بأن قضية الأقصى والقدس بالنسبة لأهل الداخل عقيدة ثابتة، لا يمكن أن تتغير أو تُباع بالمال ومشاريع الأسرلة التي تحاول فرضها عليهم، لذلك فهو يحارب وصولهم للمسجد.
وحذر مما ستؤول إليه الأوضاع المشتعلة في باحات الأقصى، خاصة وأن الاعتداءات الأخيرة اتسمت بفرض نفخ البوق علنًا، وهو ما يشكل تصعيدًا بمخططات تقسيمه زمانيًا ومكانيًا.