لم تختلف مجموعة من العصابات الصهيونية على تنفيذ مذبحة "سعداء الأولى" بحق شعبنا شتاء عام 1948م، لكنهم اختلفوا على مكان تنفيذ جريمتهم لضمان تأمين مرتكبيها.
وضمن ملف خاص أعدته وكالة الصحافة الفلسطينية (صفا)؛ لتسليط الضوء على مجازر إسرائيلية طُويت صفحاتها في أرشيف "إسرائيل" منذ عشرات السنين، تكشف اليوم عن تفاصيل تعرض لأول مرة حول مذبحة "سعداء".
ففي مطلع فبراير/ شباط من سنة النكبة، التقى قائد عصابة "بالماخ" "إيغال ألون" والمجرم "مولا كوهين" في قرية نجم الصباح النازحة، مع قائد الكتيبة الثالثة "موشيه كيلمان"، وأبلغوه بأن "القيادة العليا" قررت تنفيذ مجزرة في شمالي فلسطين.
ووفق القرار، تم اختيار "كيلمان" لتنفيذ المذبحة في قرية سعسع، لكن الأخير حاول إقناعهم أن تنفيذها في قرية على بعد نحو 20 كم من مخيم العصابات الصهيونية في جبل كنعان، يشكل خطرًا كبيرًا على المشاركين في المجزرة.
واقترح المجرم "كيلمان" أن يتم تنفيذ المجزرة في السوق المجاور لمنطقة عين زيتون أو قديتا، لكن "إيغال آلون" أصر على أن تكون المذبحة في القرية المعروفة بسعداء أو سعسع.
يقظة المقاومين
وادعى "كيلمان" أنه لا يعرف المنطقة جيدًا، فكان اقتراح "ألون" أن يتعرف على المنطقة والقرية من خلال جولة في طائرة من طراز "أوستر"، وبالفعل ركبها، وبعد وصولها للمنطقة المستهدفة، أطلق المجاهدون النار عليها من مسجد حسن بيك، لكنهم أخفقوا في إسقاطها.
وبعد وصول الطائرة فوق القرية، اعتقد معظم السكان أنها طائرة بريطانية، فلوّح أطفال القرية للطائرة فرحين؛ ولم يتخيلوا أن طاقم الطائرة يستعد لتنفيذ مجزرة، وتفجير المنازل فوق رؤوسهم أثناء نومهم.
فالأوامر التي تلقّاها "كيلمان" نصت على تفجير 20 منزلاً بالقرية في ساعات الليل أثناء نوم الأهالي، حتى يجهزوا على أكبر عدد منهم.
بداية المذبحة
بدأت بوادر المذبحة بتاريخ 14/2/1948 نحو الساعة الخامسة مساءً من مركز العصابات الصهيونية في جبل كنعان، بقيادة "كيلمان" مع نائبه "مائير دروزنر" وحضرها 65 عنصرًا من عصابة "بالماخ".
وعرضت المجموعة الخطة على ثلاثة قصاصي أثر من مستوطني صفد، الذين يعرفون المنطقة، وهم: "أفيشاي شمول" و"زيف كوهين" و"رافائيل ديري".
ووصلت المجموعة الإرهابية في تمام الساعة 7 مساءً إلى مستوطنة "عين زيتم" قرب قرية عين زيتون، والتقت مع "قوة الإنقاذ" بقيادة "يوسف حتر يشاي"، وبعد إجراء الترتيبات الأخيرة، انطلقت المجموعة باتجاه القرية، ووصلت إلى مداخلها ليلاً قبل الموعد المحدد للبدء بمجزرتهم بساعة.
لذلك، استراح المجرمون بجوار القرية وشربوا الكحول وتناولوا الشوكولاتة، حسبما جاء في الأرشيف الإسرائيلي.
آنذاك، كان الجو باردًا جدًا، وكان أهالي القرية يغطّون في نومهم، إلا أن أحد السكان شعر بوجود غرباء في الجوار فصرخ "من هذا؟"، وفورًا أطلقوا النار عليه وأعدموه، وكانت تلك إشارة لبدء عملية تفجير المنازل.
حينها، فخخت الجماعة الإرهابية 20 منزلاً في القرية، إذ ألصقت المتفجرات على جدران المنازل دون أن يشعر بها الناس، ثم فجروها، وأعقبوا ذلك بإطلاق النار على المنازل بكثافة، حيث أجهزوا على أهالي القرية في غضون 8 دقائق فقط.
وفي صباح الأحد الموافق 15 فبراير، وبعد تنفيذ العملية، وصل القتلة إلى "عين زيتم"، فسألهم الجنود البريطانيون عن سبب إصابة "موشيه دويتشه" و"شموئيل لفشيتز"، فادعى "كليمان" أنهما تعرضا لهجوم من "إرهابيين".
تباهٍ بعدد الشهداء
وبعد يومين، التقى "موشيه كيلمان" بمجموعة من الجنود البريطانيين في مقهى في "روش بينا"، وتباهى المجرم بأن ضابطًا بريطانيًا اقترب منه وقال له: "أعلم أنك كنت في صراع طوال يومين.. هناك 60 شخصًا كانوا هناك ولقوا حتفهم، وجُرح 15 آخرين. من جندي إلى جندي تستحق التحية، لقد قمت بعمل رائع".
اختلفت الأرقام حول عدد شهداء مجزرة "سعداء الأولى"؛ فوفق الجيش البريطاني بلغ عددهم نحو 60 شهيدًا، فيما أظهرت بياناتٌ أخرى أن العدد تجاوز 100.