تُبرز زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن المرتقبة للمنطقة في 13 تموز/يوليو الجاري، مدى الانتقادات والخلافات الحادة ما بين الأحزاب السياسية الإسرائيلية اليمينية واليسارية بشأن المصادقة النهائية على موعد بدء تنفيذ مشروع (E1) الاستيطاني شرقي القدس المحتلة.
وأعلنت سلطات الاحتلال عن تأجيل جلسة استماع حول المشروع الاستيطاني كان من المقرر أن تعقدها اللجنة الفرعية للتخطيط العليا فيما تسمى "الإدارة المدنية" الإسرائيلية، في 18 الشهر الجاري، للاستماع للاعتراضات على المشروع.
وحسب نقاد المشروع، فإن البناء في منطقة (E1) سيربط القدس بمستوطنة "معاليه أدوميم" شرقًا، بينما يقسم الضفة الغربية إلى قسمين، ويجعل من الدولة الفلسطينية المتجاورة مع القدس عاصمتها شبه مستحيل.
وحذّر الخبير الإسرائيلي في شؤون الاستيطان دانيال سيدمان من أن السلطات الإسرائيلية ستصادق على تنفيذ مخطط "إي واحد" الاستيطاني، شرق القدس، بعد 3 أيام من انتهاء زيارة جو بايدن إلى المنطقة.
وقال: "لمدة ربع قرن، كان يُنظر إلى المخطط الاستيطاني (إي واحد) عالميًا على أنه مخطط يوم القيامة، وبعد ذلك لن يكون من الممكن التوصل إلى اتفاق، وبالتالي، لم تتجرأ أي حكومة إسرائيلية على تنفيذه"، مضيفًا "حسنًا، نحن نتجرأ الآن.. في 18 تموز، تمّت جدولة (إي واحد) للموافقة عليه".
ولأول مرة، تمت المصادقة على المشروع الاستيطاني المثير للجدل من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو عام 2012، وتم تعليقه وتجميده لمدة 8 سنوات بضغوط أميركية ودولية، إلا أن حكومة الاحتلال الحالية أعادت طرحه مجددًا على جدول الأعمال، وتسعى للدفع به قدمًا.
ويقول مراقبون إنه في حال رفض الاعتراضات على المشروع الاستيطاني الضخم، فإن ذلك سيجعل تنفيذه رهنًا بتوقيع من وزير الجيش الإسرائيلي الذي قد يستخدم أي مبرر لتنفيذه.
خلافات واعتراضات
الباحث المختص في شؤون القدس فخري أبو دياب يقول لوكالة "صفا" إن زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة أظهرت وجود خلافات حادة ما بين أحزاب اليسار واليمين الإسرائيلي بشأن المصادقة على موعد تنفيذ المشروع الاستيطاني.
ويضيف أن ما يدلل على ذلك تأجيل الجلسة التي كان مقررًا عقدها في 18 الشهر الجاري لمناقشة الاعتراضات على المشروع، دون أن يتم إلغاءها بشكل نهائي.
وهذا ما يعني -وفقًا لأبو دياب- محاولة حكومة الاحتلال إيجاد فرصة سانحة ومناسبة لأجل اتخاذ الخطوات اللازمة لإقرار موعد تنفيذ المشروع، بعد انتهاء زيارة بايدن للمنطقة.
ويوضح أن هذا المشروع الاستيطاني يشكل ساحة منافسة للأحزاب الإسرائيلية، مع اقتراب انتخابات الكنيست، للحصول على مزيد من أصوات المستوطنين، لذلك ستعمل حكومة الاحتلال على إرضائهم وتقديم كل الإغراءات لهم، على حساب الفلسطينيين.
ويبين أن المستوطنين يستغلون الخلافات الموجودة بشأن المشروع، لأجل إحراج الاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية، خاصة مع زيارة بايدن للمنطقة، ورغم أن هذا المشروع مخالف للقانون الدولي والقرارات الدولية، إلا أنه واشنطن لم تطلب إلغاءه.
ويشمل المخطط الاستيلاء على نحو مليون دونم من الأراضي الفلسطينية التي تمتد من شرقي رام الله، وصولًا إلى شرقي القدس وبيت لحم، وحتى البحر الميت، وتُصنفها "إسرائيل" بأنها "أراضي دولة".
وبحسب المخطط، سيتم إقامة حديقة قومية ومحمية طبيعية، ومراكز سياحية وتسوق، وفنادق ومتنزهات، وطرق ومطار، وشبكة مواصلات، ومقبرة كبيرة، بالإضافة إلى توسعة مستوطنة "معاليه أدوميم" البالغ مساحتها 50 ألف دونم، وبناء آلاف الوحدات الاستيطانية، لتصبح أكبر مستوطنة تبلغ مساحتها 75 ألف دونم.
عواقب كبيرة
وعن مخاطر المخطط، يقول الباحث المقدسي إن المشروع يحمل عواقب كبيرة على سكان الضفة برمتها، ويستهدف تهجير التجمعات الفلسطينية البدوية شرقي القدس، وسرقة الأراضي، إذ سيتم تهجير نحو 25 ألف فلسطيني من البدو.
ويحذر من خطورة تنفيذ المشروع، كونه سيفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها بشكل تام، وسيعزل القدس عن المنطقة الشرقية كاملًا، ناهيك عن سيطرة المستوطنين على البوابة الشرقية للمدينة المقدسة، مما سيضاعف من نفوذ وهيمنة مجلس المستوطنات بالضفة على المنطقة.
ومن شأن تنفيذ المشروع أيضًا، العمل على ترسيم حدود الضفة بشكل فعلي، واستيلاء المستوطنين على أهم خزانات المياه في الضفة، وكذلك حرمان الفلسطينيين والتجمعات البدوية من الوصول إلى أراضي الرعي، ومن الثروة الحيوانية، الذين يعتمدون عليها بشكل كبير. كما يوضح أبو دياب
ولم تتوقف مخاطر المشروع على ذلك- بحسب الباحث المقدسي- بل سيؤدي لسيطرة المستوطنين أيضًا على شريان المواصلات الذي يربط مدينة القدس بالضفة، وبالتالي حرمان الفلسطينيين من الدخول للبحر الميت والعالم العربي.
ويتابع أن المشروع سيحرم الفلسطينيين من الاستفادة من مناطق السياحة والاستجمام، خاصة أن المنطقة تحتوي على كثير من المزارات الدينية والتاريخية، بالإضافة إلى القضاء على حلم إقامة دولة فلسطينية، وترسيخ الضم الفعلي للأراضي الفلسطينية.
ورغم الضغط الدولي والانتقادات الإسرائيلية حول مشروع (E1)، إلا أن أبو دياب يرجح في حديثه لوكالة "صفا"، مصادقة الاحتلال على موعد تنفيذه، تمهيدًا لإحكام السيطرة الكاملة على المنطقة وضمها لما يسمى بـ"القدس الكبرى"، والتي تُشكّل مساحتها ما نسبته 10% من مساحة الضفة.