رغم سماح محكمة استئناف إسرائيلية قبل أيام بنشر بعض التفاصيل عن وثائق متعلقة بمجزرة كفر قاسم التي ارتكبها القوات الإسرائيلية عام 1956، إلا أن حكومة الاحتلال ترفض الكشف عن تلك الوثائق.
وذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية، أن حكومة الاحتلال تمتنع عن تنفيذ قرار المحكمة العسكرية بالكشف عن الوثائق، في وقت ليس معلومًا إن كانت ستسمح بالكشف عنها في أي وقت قريب.
وأشارت إلى أن المؤرخ اليساري الإسرائيلي آدام راز سعى للكشف عن تلك الوثائق بعد عملية قانونية استمرت 5 سنوات في المحاكم الإسرائيلية.
وتتعلق الوثائق بشهادات قدمت أمام المحكمة العسكرية الإسرائيلية التي عقدت أواخر الخمسينيات ضد الجنود الذين ارتكبوا المجزرة وتتضمن 600 صفحة تعتبر دليلًا رسميًا على ارتكاب المجزرة بحق الفلسطينيين.
انتصار للمسار الفلسطيني
ويشكل أمر السماح بنشر تفاصيل المحكمة المتعلقة بالوثائق التي يخفيها الأرشيف العسكري لـ"إسرائيل"، انتصارًا لمسار النضال الفلسطيني في محاكم الاحتلال لمحاولة الوصول إلى تلك الوثائق، التي كشف عنها باحث إسرائيلي مؤخرًا.
ولأول مرة منذ 5 أعوام، تسمح المحكمة بـ"إمكانية نشر بعض التفاصيل" حول المجزرة، رغم أنها كانت متشددة في منع ذلك، حتى مجرد النشر عن وجود محكمة حولها أصلًا.
وارتكب الاحتلال الإسرائيلي مجزرة كفر قاسم بتاريخ 29 أكتوبر عام 1956، وقتلت فيها سرّية من جيش الاحتلال 51 شهيدًا، وترفض "إسرائيل" الاعتراف بالمجزرة، بالرغم من اعتذار رئيسها "إسحاق هرتسوغ" عنها العام الماضي.
وعن تفاصيل ما جرى، يقول رئيس اللجنة الشعبية في كفر قاسم سائد عيسى لوكالة "صفا": "إن المحكمة بشأن مجزرة كفر قاسم تعود لما قبل خمس سنوات، وكان هناك حظرًا للنشر حولها".
ويضيف "إلا أنه، وفي تاريخ 31 مارس/ آذار المنصرم، كان هناك جلسة للمحكمة على أثر طلب الباحث اليهودي أدم راز، بحث قضايا المجزرة والتطهير العرقي الذي مارسته إسرائيل فيها".
وكان الباحث راز كشف في بحث شامل له، عن وجود الوثائق الكاملة حول ارتكاب المجزرة في أرشيف "إسرائيل"، وهو ما منعت سلطات الاحتلال النشر حوله، وسحبت البحث منه، في محاولة للتكتم على الوثائق والالتفاف على الكشف الجديد.
ووفق عيسى، فإنه بعد خمس سنوات وقبل أسبوع تحديدًا، صدر قرار من القاضي الذي خرج للتقاعد والذي كان ممسكًا بملف المجزرة، مفاده "إمكانية نشر بعض المجريات حول الوثائق".
ويتابع "هذه بداية جيدة ونقطة انطلاق لحصولنا على الوثائق، خاصة وأن هذه المحكمة كانت ترفض مجرد الإعلان عن وجودها".
وعن سبب سماح قاضي المحكمة بنشر بعض التفاصيل، يفيد عيسى بأن المبرر في منع النشر طوال الخمس سنوات كان "أنه من الممكن أن يحدث ضجة ويؤثر على علاقات إسرائيل الخارجية".
ويقول "هذه ذريعة واهية والقاضي اقتنع بها أخيرًا قبل أن يذهب للتقاعد، خاصة وأن المجزرة لم ترتكب اليوم حتى تحدث الضجة المزعومة".
ووقعت المجزرة في اليوم الأول للعدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي، على مصر في أعقاب تأميم قناة السويس.
كشف يُبنى عليه
وعما ينبني على قرار المحكمة، يشير عيسى بالقول: "لا نريد أن نثبت ارتكاب إسرائيل للمجزرة فقط، فهي ارتكبتها حتى لو لم تعترف بها، وإنما نريد الوصول إلى الوثائق من الأرشيف أولًا".
وثانيًا، وفق الباحث، هو إثبات أن مجزرة كفر قاسم كانت جزءًا من مخطط "الخلند" الذي وضعه رئيس حكومة الاحتلال أذناك بن غوريون، وليس "عملًا فرديًا" كما تدعي "إسرائيل".
و"الخلند" مخطط وضعته "إسرائيل" لتطهير مناطق من فلسطينيي الـ48 "بعد أن رأت أن مخططاتها للتهجير لم تكمل، خاصة بمنطقة المثلث الجنوبي وأم الفحم"، وكثّفته بعد العدوان الثلاثي على مصر.
ويقضي المخطط بـ"إكمال مهمة تهجير ما تبقى من الفلسطينيين خاصة في المثلث وأم الفحم، في أوقات يكون فيها العالم منشغل بحدث كبير".
ووفق عيسى، "فإن ارتكاب المجزرة جاء ضمن المخطط، خاصة وأن "إسرائيل" تعتبر المثلث "خنجرًا في خاصرتها"، وليس عملًا فرديًا كما تزع "إسرائيل".
بالإضافة لذلك، يهدف القائمون على المحاكمة من محامين وممثلين عن الأهالي، للوصول للوثائق لأنها "تحوي على صور تثبت وحشية التفاصيل الأولى للمجزرة والدفن الأولي لجثث الشهداء".
ومن خلال الوصول لهذه الوثائق، فإن "إسرائيل" ستتحمل المسؤولية الأخلاقية والسياسية والقانونية للمجزرة، وهي الهدف الأهم الذي يراد من المحكمة الوصول إليه، حسب عيسى.