رغم مرور عام على معركة "سيف القدس"، إلا أنها ما زالت حاضرةً في أذهان حكومة الاحتلال الإسرائيلي بقوة، نتيجة معادلة الردع التي فرضتها المقاومة، حتى باتت تحسب ألف حساب لأي مواجهة جديدة مع قطاع غزة، في ظل تطور قدرات المقاومة وإمكانياتها العسكرية.
ويرى محللون سياسيون أن ما قبل المعركة ليس كما بعدها، وأن كل ما تقدمه حكومة الاحتلال مما تسميه "التسهيلات" لغزة، تأتي خشيةً من أي مواجهة قادمة مع المقاومة، تعلم أن تداعياتها قد تكون خطيرة للغاية.
وكان وزير جيش الاحتلال بيني غانتس، قال بعد المعركة إن الكيان "قرر أن ما كان ليس ما سيكون".
وأضاف "هكذا سنعمل، وسنحتفظ لأنفسنا بحق العمل بقوة شديدة وفي المكان والوقت الذي سنختاره، وسننفذ ذلك كما ينبغي".
لكن مجريات الأحداث على الأرض تشير إلى أن الاحتلال لم ينجح في تغيير سياسته في التعامل مع القطاع، لا بل اضطر إلى تقديم ما أسمها بـ"التسهيلات" لتجنّب أي صدام مقبل.
وشملت "تسهيلات" الاحتلال زيادة عدد عمال غزة في الداخل المحتل، والسماح لذوي الأسرى من غزة، بزيارة أبنائهم، باستثناء أسرى حماس والجهاد، وتسهيل عملية التصدير من غزة وزيادة عدد البضائع عبر معبر كرم أبو سالم، واستمرار المنحة القطرية للأسر الفقيرة والموظفين وغيرها.
معادلة المقاومة
المحلل السياسي مصطفى الصواف يرى أن المقاومة فرضت معادلة أن ما قبل "سيف القدس" ليس كما بعدها وليس الاحتلال، "بدليل ما أكده رئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار، والناطق باسم كتائب القسام قبل أيام".
ويوضح الصواف، لوكالة "صفا" أن هذه المعادلة "تُؤكدها كافة أدبيات المقاومة بأن ما حدث في سيف القدس شيء بسيط لما سيحدث بعدها، خاصة بعد التطور الهائل التي وصلت إليه المقاومة".
ومن وجهة نظره، فإن" الاحتلال بكل ما يقدمه من تسهيلات كما يسميها، لا يريد أي مواجهة مقبلة مع المقاومة، ويتجنبها بأي شكل من الأشكال، لأنه يعلم أن القادم قد يكون خطيرًا جدًا".
ويقول: "لذلك تأتي هذه التسهيلات من باب أن الاحتلال ليس بإمكانه الآن في ظل الأوضاع التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي الدخول بمعركة جديدة مع المقاومة، في ظل تطور قدراتها العسكرية، وتخوفاته بألا تبقى جبهة غزة لوحدها بمواجهته، بل تضم إليها بقية الجبهات، وهذا أمر لم يدركه ولم يضع له حسابات جديدة".
وبحسب المحلل السياسي، فإن "سياسة الردود الروتينية على إطلاق الصواريخ لم تتغير ما بعد المعركة، ولم تعد تُجدي نفعًا، بل تأتي من باب التغطية على فشل الاحتلال، ولذر الرماد في عيون الجمهور الإسرائيلي، بأننا نرد على أي صاروخ يُطلق من غزة".
ويضيف "لكن في واقع الأمر، أن الاحتلال جبان يحاول دائمًا تجنب أي صراع مع المقاومة، وأيضًا إغراء الشعب الفلسطيني ومقاومته بما يسميه بالتسهيلات، علمًا أنه لا يقدمها مجانًا ولديه أهداف يريد تحقيقها من خلال إخضاع الفلسطيني وابتزازه وتدجينه حتى لا يثور، كما حدث في العمليات الفدائية الأخيرة داخل الكيان".
ويشير إلى أن الاحتلال بات ما بعد "سيف القدس" يتخبط في تصريحاته، نظرًا لأنه أصبح أكثر قناعة بأن خططه فشلت، ما يزيد من حجم القلق والتخبط لدى قادته.
ويرى أن نجاح المقاومين باختراق الجدار الفاصل سواء كان إسمنتيًا أو فولاذيًا، وتمكنهم من تنفيذ العمليات في قلب الكيان الإسرائيلي، يُدلل على مدى هشاشته وزيادة حجم الاضطراب الذي يعانيه.
وما يخشاه قادة الاحتلال ما بعد "سيف القدس"- وفقًا للصواف- أن تكون نهايته اقتربت، "لأن الفلسطيني لم يعد كما كان سابقًا، بل بات أكثر قناعة وتجذرًا ومقاومة للاحتلال، ولم يعد يخشى لا الاحتلال ولا أدواته القمعية".
تخبط إسرائيلي
أما المحلل السياسي عبد الرحمن شهاب فيرى أن "سيف القدس" شكلت انتصارًا واضحًا للمقاومة، إذ أدرك الاحتلال أنه كان من الخطأ اندلاع هذه المعركة، حتى لا تبدو المقاومة وكأنها هي التي تدافع فقط عن المسجد الأقصى.
ويضيف شهاب، لوكالة "صفا"، أن الاحتلال استخلص العبر والدروس من ذلك، بألا تتكرر مثل هذه المعركة، ما يستدعي تخفيف الحصار المفروض على قطاع غزة، ومحاولة إخراج المقاومة من هذه المعادلة.
ويوضح أن سياسة الاحتلال مع غزة بشأن إطلاق الصواريخ لم تتغير حتى ما بعد المعركة، "ولا يوجد بدائل لديه في التعامل مع القطاع سوى محاولة استمرار مستوى معين من الحصار دون إنهائه بشكل كامل، ودون إيصال المقاومة إلى لحظة الانفجار".
ويعتقد أن" حكومة الاحتلال تتخبط وتُصرح هنا وهناك لإشعار المواطن الإسرائيلي بأن المعادلة ستتغير، لكن معادلة التعامل مع القطاع واستمرار الصراع لن تتوقف".
ويؤكد أن "المقاومة جزء من مقاومة الشعب الفلسطيني ككل، وليست من أجل تحرير قطاع غزة فقط، وهذا ما يدركه الاحتلال، لذلك فإن الحل الوحيد لديه الاستمرار بإشغال المقاومة في قضايا تخصها بغزة".
معركة ممتدة
أما المحلل السياسي حسن عبده فيقول لوكالة "صفا" إن "سيف القدس" الحدث الأول الذي تخرج به المقاومة من قضايا الحصار والاغتيالات إلى الفضاء الواسع الوطني والعربي والإسلامي، باعتبار أن مدينة القدس تختزل كل هذه المعاني.
ويضيف أن "المعركة منعت إيجاد أي رابط ما بين اليهودية والمسجد الأقصى، وما بين الاحتلال والقدس، ولم تنتهِ بعد، ولها ما بعدها، فالمقاومة وتهديداتها ويقظتها باتت تمنع الاحتلال من تحقيق أهدافه".
ويرى أن "سيف القدس معركة ممتدة، وسنشهد فصول وموجات جديدة لها، لأن الاحتلال يسعى جاهدًا لتحقيق هدفه، والمقاومة تعي ذلك، لأن المحتل لم يعد قادرًا على الاستفراد بالقدس واختلاق رواية تاريخية لليهود في الأقصى".
ويتفق المحلل عبده مع سابقيه بأن سياسة الاحتلال بالرد على الصواريخ لم تتغير، لأن المقاومة نجحت في فرض معادلتها خلال "سيف القدس" حينما هددت بإطلاق دفعات كبيرة من الصواريخ تجاه "تل أبيب" مقابل قصف الأبراج السكنية.
ويشدد على أن "المقاومة أجبرت الاحتلال على التراجع عن الاستمرار بهذه السياسة، وهذا ما شكل تطورًا لافتًا في تقييد سلاح الجو الإسرائيلي في تدمير الأبراج مقابل كثافة إطلاق الصواريخ من غزة".
وبهذا الصدد، يشير المحلل السياسي أيضًا إلى تهديدات القائد السنوار قبل أيام، بإطلاق 1111 صاروخًا دفعة واحدة على الكيان الإسرائيلي في أي مواجهة، ما يؤكد تطور المقاومة لقدراتها وإمكانياتها في منع الاحتلال من تحقيق أهدافه بالقدس.
ويشكل قطاع غزة- وفقًا لعبده- كابوسًا للاحتلال، كونه خاض عدة حروب معه دون أي يحقق أي من أهدافه، خاصة بعدما خرجت من الحيز المحلي إلى الفضاء الوطني، "وهذا تطور مهم جدًا".
ويؤكد أن الاحتلال يريد عزل غزة وفصلها عن كافة القضايا الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس، لكن المقاومة تؤكد رفضها الكامل لما يجري في القدس وكامل فلسطين المحتلة.