لم يتوقف الاحتلال الإسرائيلي وجمعياته الاستيطانية عن استهداف منطقة باب العامود في القدس المحتلة، باعتبارها معلمًا أثريًا ذات مكانة استراتيجية، ومدخلًا رئيسًا للبلدة القديمة والمسجد الأقصى المبارك، بل يخطط لإحداث تغييرات ملموسة في طابع وهوية المنطقة العربية الإسلامية.
وغدا باب العامود، أجمل وأهم بوابات البلدة القديمة، رمزًا وطنيًا فلسطينيًا، وأيقونة النضال والثورة في مواجهة الاحتلال والاحتجاج على إجراءاته وسياساته العنصرية في المدينة المقدسة، بغية زيادة السيطرة الإسرائيلية، ومراقبة المنطقة الحساسة.
وعلى مدار سنوات ماضية، عمل الاحتلال وما يزال على إحداث تغيرات دراماتيكية وديمغرافية في باب العامود، وحوله إلى منطقة عسكرية أقام ثلاثة أبراج أمنية يتحصن جنوده داخلها، إلى جانب نصب عشرات كاميرات المراقبة سواء خارج الباب أو داخله، لاستفزاز الشبان المقدسيين ورصد ومتابعة تحركاتهم.
مخطط تهويدي
ووضعت سلطات الاحتلال مخططًا تهويديًا جديدًا لتغيير الوضع التاريخي القائم في باب العامود، وطمس هويته الوطنية، وأيضًا تغيير وجه الحضاري والمعماري، وأقرت بعض الخطوات لأجل تنفيذ المخطط على مراحل عدة. كما يقول الباحث المختص في شؤون القدس فخري أبو دياب"
ويوضح أبو دباب في حديث لوكالة "صفا" أن عدة مؤسسات احتلالية، تتمثل في بلدية الاحتلال بالقدس، ما تسمى "وزارة شؤون القدس"، أجهزة أمن الاحتلال، وجمعية "إلعاد" الاستيطانية تشارك في تنفيذ المخطط الاستيطاني والتهويدي.
ويبين أن المخطط سينفذ على مساحة 35 دونمًا بدءً من "مغارة سليمان" أو الكتان الواقعة بين بابي العامود والساهرة، وصولًا إلى منطقة المصرارة بالبلدة القديمة.
ويشمل المخطط إجراء حفريات كبيرة وعميقة تحت الأرض في المنطقة المستهدفة ستنفذها ما تسمى "سلطة الآثار الإسرائيلية وجمعية "إلعاد" الاستيطانية، بهدف وضع مسارات وممرات وطرق، لسهولة السيطرة الأمنية على المنطقة.
وبحسب أبو دياب، فإن الحفريات ستتركز على طول شارع السلطان سليمان باتجاه باب العامود، وصولًا لربط تلك المنطقة بالباب التاريخي عبر عدة مسارات.
تغيير هويته
ويشير إلى أن الاحتلال لديه هدفًا استراتيجيًا يريد أن يُحققه في باب العامود، لأجل زيادة السيطرة على المنطقة، وتغيير معالمها العربية وإضفاء صبغة يهودية عليها، كونها تشكل مدخلًا رئيسًا للمسجد الأقصى والبلدة القديمة وأسواقها وكنيسة القيامة.
ويؤكد أن الاحتلال لا يريد أن يرى أية تجمعات فلسطينية أو احتفالات أو تواجد مقدسي في تلك المنطقة المهمة، نظرًا لأنها تُعيق وصول المستوطنين لحائط البراق.
وبهذا المخطط التهويدي، تسعى سلطات الاحتلال إلى زيادة سيطرتها على المنطقة أمنيًا وعسكريًا، من خلال تقييد تواجد الفلسطينيين فيها والوصول إليها، وأيضًا فتح مسارات جديدة لتسهيل دخول المستوطنين واليهود إلى حائط البراق.
ويضيف أبو دياب أن الاحتلال من خلال المخطط، سيعمل على زيادة نقاط المراقبة والحواجز الحديدية، وإقامة ممرات وطرق لتقسيم المنطقة، وفصل كل اتجاه عن الآخر.
ويبين أن باب العامود يعد متنفسًا وحيدًا للمقدسيين للجلوس والاحتفال بالمناسبات الوطنية والدينية، ولإثبات وطنية وهوية تلك المنطقة، وكذلك لمقارعة الاحتلال والتصدي لاعتداءاته وممارساته بحق المدينة المقدسة وسكانها.
قلق للاحتلال
ويرى أبو دياب أن شرطة الاحتلال ومنظومتها الأمنية فشلت بشكل ذريع في إبعاد المقدسيين عن باب العامود ومنع تواجدهم والجلوس على مدرجاته، رغم استخدامها القوة المفرطة لقمعهم، والانتشار الكثيف لعناصرها وقواتها الخاصة بشكل دائم في المنطقة.
وفي بداية شهر رمضان المبارك، نصبت شرطة الاحتلال سياجًا حديديًا ومركزًا متنقلًا في منطقة باب العامود، وحاولت منع تواجد المقدسيين فيها، إلا أنها فشلت في تحقيق ذلك، بفعل صمود المقدسيين الذين يحتشدون في المنطقة، بعد انتهاء صلاة التراويح بالمسجد الأقصى.
ويشكل التواجد الفلسطيني في باب العامود هاجسًا وقلقًا شديدًا للاحتلال، لذلك يريد طمس هذا المعلم الأثري التاريخي، وتغيير هويته وطابعه العربي بأي طريقة ممكنة.
ويؤكد المختص في شؤون القدس أن باب العامود سيبقى عنوانًا للصمود والنضال، وتحدي إجراءات الاحتلال في تهويده وتغيير هويته، وكذلك الإصرار على التواجد فيه، رغم التضييقات والقيود والاعتداءات المتواصلة.
وبنظره، فإن إقدام سلطات الاحتلال على تنفيذ المخطط التهويدي، فإن من شأنه أن يُؤجج الأوضاع في القدس، وريما يكون بداية لاندلاع هبة شعبية جديدة، نظرًا لحساسية الموقع ومكانته، والذي كان وما يزال الصاعق المفجر للأحداث في المدينة.