تفتح الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة بالأراضي الفلسطينية، الباب أمام احتمالية انجرار الأوضاع إلى جولة جديدة من التصعيد قبل أيام من حلول شهر رمضان الذي تتحسب له دوائر الأمن الإسرائيلي كثيراً.
وصباح الخميس، استشهد فلسطينيان وأصيب 5 آخرون برصاص جيش الاحتلال خلال اقتحامه مدينة جنين شمالي الضفة الغربية، فيما استشهد فلسطيني ثالث في مدينة بيت لحم جنوباً؛ إثر عملية طعن قرب مفترق "ألعازار" أدت إلى إصابة مستوطن بجراح متوسطة.
وجاء هذا التصعيد في وقت اقتحم فيه عشرات المستوطنين المتطرفين على رأسهم عضو الكنيست إيتمار بن غفير صباح الخميس، المسجد الأقصى المبارك، وسط حماية مشددة من شرطة الاحتلال.
هذه الأحداث أعقبت سلسلة عمليات فدائية وقعت مؤخراً في الأراضي المحتلة عام 1948، أسفرت عن مقتل 11 مستوطناً وجندياً إسرائيلياً.
احتمالات واردة للتصعيد
وبهذا الصدد، يرى المختص في الشأن السياسي حسن لافي أن احتمالات التصعيد باتت واردة بشكل متزايد خصوصاً مع جرائم القتل الأخيرة في الضفة المحتلة، وسماح حكومة الاحتلال للمستوطنين المتطرفين باقتحام الأقصى.
ويتوقع لافي في حديث مع وكالة "صفا" تزايد اعتداءات الاحتلال في الفترة المقبلة لسببين؛ أولهما زيادة حملات تسليح المستوطنين، والآخر محاولة الاحتلال كسر شوكة المقاومة في شمال الضفة.
ويؤكد أن الكرة في الملعب الإسرائيلي؛ "وإذا لم يتراجع في اعتداءاته فإن الأمور ستؤدي إلى معركة (سيف القدس 2)، كما جرى في العام الماضي".
ويوضح لافي أن الاحتلال يحاول تقسيم الساحات والاستفراد بالشعب الفلسطيني في الضفة والقدس.
واستدرك قائلا:" لكن المقاومة لن تسمح بذلك ولن تتنازل عن الإنجاز الذي كرسته بمعركة سيف القدس المتمثل في توحد الساحات الفلسطينية ضد الاحتلال".
تنسيق متكامل بين الفصائل
وبالنسبة لقرار حركة الجهاد الإسلامي بإعلان الاستنفار في صفوفها، يشير لافي إلى أن المقاومة مصرة على حماية شعبها وترفض محاولات التفرد به.
ويبين المحلل السياسي أن هناك حالة تنسيق متكاملة بين الفصائل في قطاع غزة، معتبرا أن أي فصيل يتخذ قرارا معيناً لا يتم بمعزل عن الفصائل الأخرى.
وحول الاجتماعات الثنائية بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي قبل أيام، يعتبر لافي أنها تأتي في سياق تكريس الوحدة الفلسطينية التي أوجدتها معركة سيف القدس في كل الساحات.
ويضيف أن الاجتماع رسالة بأن المقاومة موحدة وملتزمة بالدفاع عن شعبنا بالتنسيق المشترك.
ويتابع لافي أن "سلطات الاحتلال تحاول شيطنة شهر رمضان وتصويره كمظهر للاعتداء، وتبرز نفسها أنها حريصة على الهدوء والاستقرار".
ويؤكد أن "إسرائيل" عندما تسمح للمتطرف إيتمار بن غفير باقتحام المسجد الأقصى واقتحام جنين ومحاصرة قطاع غزة، لا تبحث عن الاستقرار أو الهدوء، "ولكنها في ذات الوقت لا تريد معركة كبرى"، وفق قوله.
تجدر الإشارة إلى أن حركتي حماس والجهاد الإسلامي أعلنتا في بيان مشترك الاثنين الماضي، اختتامهما سلسلة لقاءات موسعة في جميع محافظات قطاع غزة، ضمت قيادات سياسية وعسكرية بارزة من الحركتين.
وبحثت اللقاءات آليات تعزيز برنامج المقاومة، وسبل تطوير العلاقات الثنائية، وترسيخ العمل المشترك، ملعنتان أنهما ستشكلان لجان عمل مشتركة في جميع المستويات.
محاولة لامتصاص الأحداث
من جانبه يرى الكاتب والمحلل ساري عرابي أن الاحتلال غير معني بمواجهة، وهو يريد استيعاب الأمور ونزع فتيل التوتر من أجل محاولة امتصاص الأحداث قبل رمضان.
"لكن رغم ذلك يستعد الاحتلال لاحتمالية التصعيد أمنيًا وعسكريًا"، وفق عرابي.
ويقول لوكالة "صفا": إن "حالة التصعيد موجودة لأن منسوب أعمال المقاومة في الضفة الغربية والقدس ارتفع منذ مطلع العام الجاري أعلى بكثير من العام الماضي الذي شهد معركة سيف القدس".
ويوضح عرابي أننا "نعيش حالة كفاحية مفتوحة في الضفة والقدس وثمة تداخل في هذه الحالة من جانب الأراضي 48".
ويشير إلى أن الاحتلال يحاول نزع فتيل التصعيد قبل رمضان من خلال الحراكات السياسية والأمنية التي يقوم بها، كزيارة رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) إلى واشنطن، أو زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد إلى الأردن وزيارة ملك الأردن إلى رام الله.
ويعتقد عرابي أن قرار الاحتلال بتأجيل إخلاء عائلات من حي الشيخ جراح، والامتناع عن وضع بوابات حديدية في باب العامود، يدل على محاولة الاحتلال نزع فتيل التصعيد.
عنصران يحكمان مسألة التصعيد
وبالنسبة للأسباب المؤدية للتصعيد وشكله، يشير عرابي إلى عنصرين، الأول هو مسألة اقتحام المسجد الأقصى من المستوطنين في رمضان، وتزامن الشهر الكريم مع الأعياد اليهودية.
ويلفت عرابي إلى مجموعة عوامل تحكم هذا المسار، منها مدى سماح الاحتلال لهذه الاقتحامات، وهل ستكون ضخمة تستدعي الرد والمواجهة، أم ستكون محدودة لحفظ ماء الوجه، وهل ستكون اقتحامات في أوقات الذروة أم في أوقات الفراغ عندما يكون المسجد فارغا.
والعنصر الآخر وفق المحلل، هو موقف فصائل المقاومة من هذه الانتهاكات إن حدثت.
ويوضح عرابي أن قرار تدخل المقاومة من غزة مرتبط بجملة من الاعتبارات، أولها أن الفصائل ستنظر إلى حجم الأحداث في القدس والضفة الغربية وشكلها، وهل تستدعي تدخلا منها أم لا ؟.
ويبين أن المقاومة أمامها مجموعة من الاعتبارات المرتبطة بالظرف الإقليمي والدولي، وهي سترى هل من المناسب الذهاب إلى مواجهة في ظل الأحداث بالعالم، فضلا عن حسابات أخرى لديها تتعلق ببنيتها العسكرية، إضافة للحالة الاجتماعية للمواطنين.
ويشير عرابي في نهاية حديثه إلى أن طبيعة وحجم رد الاحتلال على رد المقاومة (إن حدث) مسألة مهمة تحكم احتمالية اندلاع تصعيد قريب.