تعيش بلدة بيت حنينا الواقعة شمالي القدس المحتلة تحت وطأة الاستيطان وجدار الفصل العنصري، الذي أحاطها من جهاتها الثلاث، وحولها إلى "جزر معزولة" عن محيطها الفلسطيني، ولم يتبق لسكانها سوى منفذ واحد إلى الضفة الغربية المحتلة، وبعض القرى المقدسية.
وعلى بعد 8 كم من شمالي القدس، تقع بيت حنينا، التي تعد تاريخيًا أكبر بلدة في القدس من ناحية المساحة، إذ لا تقل عن 16 ألف دونم، صادر الاحتلال الإسرائيلي معظم أراضيها، وبعد احتلال المدينة عام 1967 أقامت "إسرائيل" عليها عدة مستوطنات، هي "عطروت" شمالًا، و"نفي يعقوب" شرقًا، و"راموت" جنوبًا.
وقسمها الجدار والمستوطنات والشوارع الالتفافية إلى بلدتين منفصلتين، هما بيت حنينا الجديدة وتتبع لبلدية الاحتلال في القدس، وتشمل الغالبية العظمى من المنطقة المبنية، وبيت حنينا التاريخية القديمة الواقعة خارج حدود البلدية.
هجمة مستمرة
الباحث المقدسي خالد عودة الله يتحدث لوكالة "صفا" عن معاناة بيت حنينا، قائلًا إنها تتعرض لهجمة إسرائيلية مستمرة منذ احتلال مدينة القدس عام 1967، بحيث تمارس سلطات الاحتلال سلسلة إجراءات وانتهاكات بحق سكانها، بما يفاقم معاناتهم.
ويوضح أن سلطات الاحتلال صادرت آلاف الدونمات الزراعية من أراضي البلدة لبناء المستوطنات وشق الطرق والشوارع الاستيطانية، ولإقامة محمية طبيعية، وكذلك السيطرة على الأراضي باعتبارها "مناطق خضراء" تم تشجيرها.
وعمل الاحتلال أيضًا على مد خطوط كهرباء لمنطقة "عطروت"، وخطوط تصريف مياه للمستوطنات على حساب أراضي البلدة، بما ينذر بحدوث مخاطر صحية على السكان.
معاناة سكانها التي طالت جميع مناحي الحياة، لا تتوقف على ذلك، بل تصاعدت في الآونة الأخيرة، وتيرة الهدم في البلدة، وتحديدًا سياسة الهدم القسري، وأجبرت بلدية الاحتلال عشرات العائلات على هدم منازلها قسرًا، بحجة البناء دون ترخيص.
ومؤخرًا، أجبرت سلطات الاحتلال عائلة عبد الله خضر على هدم منازلها الخمسة في بيت حنينا، بعد قرار بإخلائها لصالح المستوطنين الذين يدعون ملكيتهم للأرض.
ويشير عودة الله-أحد سكان بيت حنينا- إلى أن الاحتلال هدم منذ السبعينات، مئات المنازل في بيت حنينا، لكن الأكثر ألمًا ومأساة إجبار المقدسي على هدم منزله بيده، خشيةً من دفع تكاليف الهدم الباهظة لبلدية الاحتلال.
ويضيف أن الاحتلال يمارس عملية تهجير ممنهجة ضد سكانها، من خلال سياسة الهدم ومصادرة الأراضي لصالح الاستيطان، باعتبارها البوابة الشمالية للقدس.
ووفقًا لعودة الله، فإن سلطات الاحتلال تسعى لبناء مستوطنة جديدة داخل التجمعات السكانية وسط حي الأشقرية بالبلدة، تضم عشرات الوحدات الاستيطانية.
ويتابع أن الاحتلال يسعى إلى محاصرة البلدة وعزلها، ومنع أي إمكانية للتوسع العمراني فيها، كونها تشكل الثقل السكاني، ولسيطرتها على الطرق الشمالية المؤدية لمدينة القدس.
وتعاني البلدة أوضاعًا معيشية واقتصادية صعبة، بسبب الجدار الذي قطع أوصالها وفصلها عن امتدادها الطبيعي بيت حنينا الجديدة، وأصبح سكانها مقسمين ما بين القريتين دون أي تواصل جغرافي، وباتوا يعيشون في جزر مفصولة.
ويبين عودة الله أن البلدة أصبحت لا تعج بالحياة بسبب الجدار والاستيطان، واستمرار إجراءات الاحتلال بحق سكانها، بالإضافة إلى سيطرة الاحتلال على أهم مصادر المياه فيها، وحرمان الأهالي من أي امتداد زراعي في الجهة الغربية للبلدة.
ويلفت إلى مساعي الاحتلال لتحويل الجهة الغربية المحاذية لقرية النبي صموئيل إلى محمية طبيعية، بعدما صادر 5 آلاف دونم من أراضيها.
ورغم إجراءات الاحتلال، إلا أن سكانها لا يستسلمون ويواصلون صمودهم وثباتهم في أرضهم- كما يؤكد عودة الله- محاولين خلق فرص إنتاجية تدعم وجودهم، خاصة في ظل غياب مشروع واضح لدعم صمودهم.
ويشدد على أن البلدة بحاجة لمشاريع دعم جادة وعاجلة للحفاظ على صمود سكانها ودعمهم، في مواجهة الممارسات الاحتلالية.
وضع مأساوي
ويصف صالح الدعاجنة من بلدية بيت حنينا الوضع بالبلدة بأنه "مأساوي وصعب للغاية"، في ظل استمرار ممارسات الاحتلال، وغياب أي مقومات وبرامج لدعم صمود سكانها.
ويقول الدعاجنة لوكالة "صفا": إن" البلدة تعيش وضعًا اقتصاديًا ومعنويًا واجتماعيًا وسياسيًا مدمرًا، جراء اعتداءات الاحتلال وإجراءاته المستمرة، وعزلها عن محيطها الفلسطيني بفعل اختراق الجدار الفاصل والاستيطان، والذي حولها إلى قرية مهجورة ومعزولة".
ويضيف "بعدما كان الوصول إلى القدس القديمة يستغرق مسافة 10 دقائق؛ بات اليوم يصل إلى ساعتين وأكثر بسبب محاصرة البلدة من ثلاث جهات بالجدار والحواجز العسكرية والشوارع الالتفافية، إذ لم يتبق سوى منفذ واحد للسكان يؤدي إلى قرية بير نبالا".
وتعاني البلدة- كما يوضح الدعاجنة- تهميشًا فلسطينيًا، ومن قلة المواصلات وفرص العمل، وارتفاع نسبة البطالة، ناهيك عن إخطارات الهدم، وترحيل السكان والتضييق عليهم، ووضع الاحتلال يده على أراضيهم، وحرمانهم من استصلاحها والبناء في المنطقة (c).
ويطالب بضرورة وضع خطة استراتيجية عاجلة لدعم بيت حنينا اقتصاديًا وإعلاميًا وسياسيًا، من أجل النهوض بسكانها، وتعزيز صمودهم.