يصطف الطفل محمد أبو سمرة بعد ظهيرة كل يوم منذ بدء شهر رمضان، في الصفوف الأولى من طابور التكية الرمضانية، محاولًا الحصول على أكبر قدرٍ من الطعام، المتكرر صنفه، كل ثلاثة أيام، في ظل شح المواد الغذائية نتيجة تشديد الحصار على غزة.
ويشدُّ أبو سمرة ذو العشرة أعوام، بمعطف شقيقته الصغرى، نحوه، في إشارة منه لها، بأن تبقى بجانبه، ولا تترك دورها هي الأخرى.
وأغلقت "إسرائيل" منذ اليوم الأول لشهر رمضان، معبر كرم أبو سالم، ومنعت إدخال أي من المساعدات الإنسانية أو البضائع إلى قطاع غزة.
وجاء وقف حكومة الاحتلال دخول المساعدات الإنسانية للقطاع، مع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، الذي سرى مفعوله في 19 يناير المنصرم، لتستخدم التجويع كسلاح مجددًا، بعد إبادة استمرّت 15 شهرًا.
"الكيل لا يكفي"
"كل يوم لوبيا وأرز، أو بازيلاء أو معكرونة"، يقول الطفل أبو سمرة، رافعًا كتفيه، معبرًا عن امتعاضه الخجول من تكرار الطعام كل يوم.
ويضيف مشيرًا بحلته "أنا آخذ الطبيخ وحلا الرز"، ثم يعودون لخيمتهم، المقامة على أرض بمشارف مدينة حمد المدمرة شمالي خانيونس جنوبي قطاع غزة.
وأثناء تعبئة الموزع طعام التكية على المصطفين، بدا بعض الأطفال يطالبون بكمية أكثر مما يكيل إليهم.
وصاح أحد الفتية: "يا عم زوّد، ما بيكفي عددنا كبير"، فيما يحاول الموزع أن يساوي الكميات بمكياله، لكي لا يعود أحد لخيمته، دون طعام.
تكرار الطعام واضطرار السائلين
ويقول الموزع لوكالة "صفا": "هذه التكية موجودة من قبل رمضان، وتقوم عليها جمعية خيرية، وتوزّع الطعام على سكان ما تبقى من أبراج المدينة وعلى الخيام المحيطة".
ويوضح بأنه ومع دخول رمضان وتزامنه مع قرار الاحتلال إغلاق معابر غزة، زاد المتزاحمون على التكية.
ويضيف "الأكل هنا مكرر، يعني ثلاث طبخات مع الأرز ويتم تكرارها على مدار الأيام، لكن ما في بيدنا حيلة".
ويكمل "الناس متعطشة للقمة، والمعبر مغلق، واللحوم اختفت، وهذا الطعام دون أي لحوم، لكنه ملاذ الناس في هذا الجوع".
وبسبب وقف المساعدات، فإن أكثر من 289,824 طفلًا و139,764 مسنًا، معرضون للموت بفعل الجوع والبرد الشديد، حسب وزارة التنمية الاجتماعية بغزة.
ويشير فتى، في حديثه لوكالة "صفا"، إلى أن "حلتي الطبيخ والأرز لا تكفيان عائلته، لكثرة عدد أفرادها".
ويقول: "نضطر للذهاب لهذه التكية وتكية ثانية قريبة، لأن عددنا ثمانية، وأبي ما معه يصرف".
ويتمنى لو "أنهم يوزعوا وجبة يوم بالأسبوع فيها لحمة أو دجاج، فكل مرة نقول يارب يكون، ولا يكون".
وأعربت دول غربية وعربية عن استنكارها الشديد وقلقها من وقف "إسرائيل" إدخال المساعدات لغزة، متهمة إياها باستخدام المجاعة أداة لأغراض سياسية.
ويترك إغلاق المعبر ووقف الإمدادات الإغاثية لسكان القطاع المنكوبين بفعل حرب الإبادة، نحو 1.5 مليون إنسان بلا مأوى بعد تدمير بيوتهم، وسط انعدام للأمن الغذائي والصحي، وانتشار الفقر والجوع والمرض.
وبدعم أمريكي ارتكبت "إسرائيل" حرب إبادة في غزة في أكتوبر عام 2023 واستمرت 15 شهرًا، ارتقى فيها ما يزيد عن 49 ألف شهيد، وأصيب مئات الآلاف، بإلإضافة إلى أكثر من 10 آلاف مفقود تحت الأنقاض.
كما استخدمت "إسرائيل" التجويع طوال حرب الإبادة ضد سكان القطاع، ما تسبب بحالة مجاعة غير مسبوقة، ومأساة إنسانية، صُنفت بأنها الأخطر في القرن الحالي.