جنين- مدلين خلة - صفا
لم يكن وداعًا عاديًا ذلك الذي ودعه الأسير المحرر أحمد أبو عواد لوالدته قبيل وفاتها بأيام، بل تجاوز فيه أسوار السجن الذي يقطنه جسده لتطير روحه حيث تمكث والدته في مدينة جنين.
استطاع بوداعه لوالدته عبر رُؤية رآها في منامه، تجاوز حبه لها وحاجته لاحتضانها وإذابة نار الشوق التي أكلت قلب الوالدة فارتقت لجوار ربها.
تُوفيت والدته، وهي تحلم بتلك اللحظة التي يخرج فيها أحمد من سجنه، كي تُلقي عليه نظرتها الأخيرة، التي تُخبره فيها أنها تمسكت بالحياة حتى لحظة خروجه، وأن وجهه آخر ما تريد رؤيته لتغلق عينيها إلى الأبد، إلا أن قيد السجان كان أطول من عمر الوالدة فجاء الفراق قبل اللقاء بثلاثة أشهر فقط.
ألم الفقدان
المحرر أبو عواد يروي لوكالة "صفا"، لحظات وداعه لوالدته، قائلًا: "الحمد لله أني ودعتها (برؤية) قبل وفاتها، استطعت فيها تقبيل جبينها والتحدث معها، أخبرتها كم أحبها وأشتاق لها، وجددتُ عهدي لها بأنني لن أخذلها".
ويضيف "أصعب شعور لم أستوعبه حتى الآن فكرة خروجي من السجن دون وجود والدتي بانتظاري، فقدان أمي كان صفعة لم أستطع الاستيقاظ منها حتى هذه اللحظة".
ويتابع "عندما كانت أمهات الأسرى يستقبلن أولادهن، تمنيت من كل قلبي لو كان فقدان أمي وأنا داخل السجن حلم أرغب بشدة الاستيقاظ منه".
ورغم هذه الغصة، إلا أن الإفراج عنه أشعره بفرحة لا يمكن وصفها، لأن الخروج من معتقلات الاحتلال بكامل عقلك نعمة كبرى بعد عمليات التعذيب والتنكيل التي يتعرض لها الأسرى طوال فترة الاعتقال.
ويصف لحظة الإفراج عنه بأنها من أسعد اللحظات التي عاشها، رغم ما تعرض له داخل سجون الاحتلال.
ويقول: "تم الإفراج عن الأسرى بسواعد المقاومة في غزة، ولولا فعلهم لما رأيت الشمس دون شباك، إن فضل أهل غزة دين لا نستطيع أن نوفيه مهما فعلنا".
وفي 27 شباط/فبراير الماضي، أفرجت سلطات الاحتلال عن الأسير أبو عواد، ضمن الدفعة السابعة من المرحلة الأولى لصفقة "طوفان الأقصى" لتبادل الأسرى.
وضع الأسرى
ويتحدث أبو عواد عن وضع الأسرى داخل السجون، قائلًا: "الوضع سيء جدًا، فالتعامل قبل السابع من أكتوبر كان ضمن علاقة الردع والردع المقابل".
ويؤكد أن المقاومة سطرت ملحمة بطولية في قضية دعمها للأسرى وقضاياهم من أجل الحفاظ عليهم وتحريرهم.
ويتابع "عندما دخلنا مرحلة ما بعد السابع من أكتوبر وأصبحت الجبهة مشتعلة، وباتت القضية أكبر من الأسرى، عمد الاحتلال إلى التفنن في التنكيل بالأسرى عبر مصادرة كل منجزاتهم والتعامل معهم كمقتنيات لا بد من إتلافها والقضاء عليها بأي شكل من الأشكال".
ويوضح أن نتنياهو وحكومته يحاولون كسب مزيد من الأوراق قدر الإمكان للضغط على المقاومة.
ويكمل أن "الاحتلال تعمّد تشكيل وحدة خاصة داخل الموساد لمتابعة أمور الأسرى، والتنكيل بهم، دون أن يترك أي وسيلة إهانة وتعذيب ضدهم".
وأبو عواد اعتقل في عام 2003، ووجهت له محكمة الاحتلال تهمة "القيام بنشاطات عسكرية مسلحة وتجنيد استشهاديين، والتخطيط من أجل الاضرار بالعنصر البشري للاحتلال".
وفي العام 2004، أصدرت محكمة الاحتلال حكمًا بسجنه لمدة 23 عامًا مضافًا إليه خمس سنوات أخرى مع وقف التنفيذ.
آخر لحظات
وعن تفاصيل اعتقاله، يقول أبو عواد: "بعد اعتقالي، اقتادني جيش الاحتلال، إلى منطقة حاجز الجلمة اليوم، والذي كان عبارة عن نقطة عسكرية، وتم تكبيلي ووضعي داخل هذه الثكنة العسكرية في ظروف سيئة ثم أتى ضابط المنطقة وقال لي (كل سنة وانت سالم)، في إشارة إلى مركز توقيف سالم سيء الصيت".
ويضيف "في هذه اللحظات طلبت منه فك وثاقي لأداء صلاة الفجر فرفض وأمرني بالصلاة وأنا مكبل اليدين والأقدام".
ويتابع "صلاة الفجر كانت آخر ما فعلته في جنين، وألقيت عليها نظرة الوداع الأخيرة، وخاطبتها والله إنك لأحب البلاد إلى قلبي ولو أن أهلك أخرجوني منك لما خرجت".
ويبين أنه بعد 96 يومًا من التحقيق معه، تم نقله إلى سجن "شطة"، حيث كان السجن الأسوأ.
ر ش