غزة- مدلين خلة - صفا
وسط حرب الإبادة والتجويع التي ابتلعت عامها الأول وأجزاء من عامها الثاني، ما تزال آلة الحرب الإسرائيلية تحفر قذائفها وصواريخها أجساد الغزيين شمالي قطاع غزة.
كل شيء هنا طي المجهول، فمنذ أن أعلنت "إسرائيل" بدء عملية عسكرية واسعة شمالي القطاع والموت يطرق باب الصامدين.
لم يعد شيء كما كان فكل شيء تدمر هنا، وأعلن نهايته، إلا من ثبات وصمود أصحاب الأرض، رافضين كل عمليات التهجير والقمع الإسرائيلي.
425 يومًا على حرب الإبادة، و61 يومًا على حريمة القتل والتطهير العرقي شمالي القطاع، يتجرع فيها الكبير والصغير ويلات حرب كلما قال قاطنو هذه المدينة العظيمة إنها "شارفت على النهاية، استعرت رحاها من جديد، فلا حلول تلوح بالأفق ولا بصيص أمل بنهايتها، إلا من قدرة الله على تسيير جنده لصالح أمهات ثكلى وشيوخ عجز وأطفال رضع".
ويلات القهر
"ضربٌ وشبحٌ وتنكيل، وإجراءات تحقيق ميدانية للمواطنين، صنوف متعددة من العذاب وويلات القهر ما زال يتعرض لها شمالي القطاع، تزامنًا مع تدمير مقومات الحياة والنجاة للذين يرفضون النزوح ومغادرة منازلهم".
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فمن يُصاب هنا لا يجد يدًا تضمد جراحه أو أخرى تحمله على "شيالة" لنقله إلى إحدى المشافي التي خرجت عن الخدمة، بعد القصف والاقتحام الإسرائيلي المتكرر لها، فضلًا عن التعطيل القسري للدفاع المدني منذ 43 يومًا، عقب تهديد الاحتلال باستهداف الطواقم العاملة على إنقاذ حياة المواطنين الذين يُتركون للموت تحت ركام المنازل المدمرة وفي الطرقات والشوارع.
"قصف إسرائيلي لا يتوقف سواءً في مخيم جباليا أو مشروع بيت لاهيا، في كل مكان تُشاهد القصف والدمار سواءً بالمدفعية أو الطائرات الحربية والمسيّرات".
وسط حصار مطبق وقلق على ما هو قادم، سيناريوهات تنخر رأس الزميل الصحفي عماد أبو سيف، الذي ينصب جُل اهتمامه على الذود بمنطقة آمنة يحيط بها أمه وعائلته
قلق وخوف
"بقيت في جباليا ومن ثم نزحت بعد تسعة أيام من الاجتياح، تحت وطأة قصف مكثف مدفعي وجوي".
يقول أبو سيف، في حديثه لوكالة "صفا": "كان قرار النزوح مرفوضًا لدى الجميع، حتى تم استهداف المنزل بقصف مدفعي مكثف ونحن فيه، وأجبرنا على الخروج، لكن ليس من الشمال، فكان مشروع بيت لاهيا وجهتنا".
ويضيف "عند نزوحنا لمشروع بيت لاهيا لم يتغير الحال كثيرًا، فالقصف يتواصل بكافة أشكاله، إضافة للطائرات المسيّرة (كواد كابتر) التي لم تفارق الأجواء".
حصار وقلق وخوف، أذهب النوم من أعين باتت ساهرة تُراقب من خرم بابٍ تآكل وعصفت به نار الحرب، إلا أنه بقي صامدًا يحمي المواطنين الصامدين في تلك المدينة التي رفضت رفع الراية البيضاء وإعلان استسلامها.
ويتابع أبو سيف "لم ننم ساعتين في كل ليلة، فعمليات النسف للمنازل كانت ضخمة ومرعبة، والصوت يقترب منا، وكانت الخشية كبيرة أن يتم نسف المنزل فوق رؤوسنا ولا يعلم أحد ما جرى لنا ونكتب في عداد المفقودين".
ويكمل "كأنها أهوال القيامة، رائحة الموت تفوح بكل مكان وأصوات ماكينة الحرب لا تأخذ نفسًا يُتيح للمحاصرين هنا أخذ قسط صغير لجلب بعض الماء الصالح للشرب والاستخدام الآدمي".
"المستشفيات تتعرض لإبادة تنذر بتوقفها وخروجها عن تقديم خدمات الإسعاف الأولية للمواطنين، الوضع الكارثي الذي تتعرض له مشافي الشمال، وخاصة مستشفى كمال عدوان فلا كوادر طبية، ولا أدوية تكفي لإسعاف المصابين".
"المجازر تُرتكب في كل لحظة، ومع كل عملية نسف هناك شهداء بالعشرات، وفي كل لحظة هناك ليلة وداع صامت".
رحلة عذاب
رحلة العذاب الغزي شمالي القطاع لا تتوقف عند هذا الحد من القتل والتشريد، فالنزوح حكاية وجع أخرى عليك أن تعيش تفاصيلها طالما أنك ترفض الخروج، منذ بدء العملية العسكرية.
وبعد 33 يومًا من الحصار على مشروع بيت لاهيا، أخذت قرارًا بالنزوح غربي مدينة غزة، فكانت الرحلة الأشق طوال عام ويزيد من الحرب الإسرائيلية على القطاع".
"رحلة متعبة خُضت غمارها مع أعداد كبيرة من المواطنين في مشروع بيت لاهيا، إذ تم احتجاز الرجال للتحقيق الميداني والفحص الأمني، وفي هذه المرحلة عذاب فوق عذاب النزوح آلافٍ وأضعاف". يقول أبو سيف
ويضيف "14 ساعة كانت كفيلة لتنسى فيها اسمك، فتعب وإرهاق وإذلال، فضلًا عن التعرية بشكل شبه كامل، تم احتجازُنا بحجة الفحص الأمني، عراة دون ماء مع الضرب والتعذيب والتنكيل".
"كأنك ولدت من جديد، خروجك من الفحص على شارع صلاح الدين باتجاه غربي غزة، تُعني أنك ولدت للحياة من جديد".
ومع دخول العدوان شمالي القطاع يومه الـ61 ما زال القصف الإسرائيلي متواصل وبشكل مكثف، فضلًا عن جرائم التطهير والإبادة مستمرة.
وأكد مدير مستشفى كمال عدوان حسام أبو صفية، في وقت سابق، أن الجرحى بفقدون حياتهم لعدم وجود مستلزمات صحية وأطباء متخصصين، في ظل استمرار قوات الاحتلال عدوانها الواسع على شمالي القطاع.
وأضاف أن "الوضع كارثي شمالي القطاع والحصار مستمر، ومع كل يوم يتزايد عدد الجرحى الذين يتحولون إلى شهداء، بسبب نقص الامكانات، فضلًا عن منع الاحتلال دخول الماء والطعام والدواء والمساعدات الطبية".
ر ش