مثل كرة الثلج تتدحرج وتكبر، تلك هي المقاومة في محافظات الضفة الغربية المحتلة، التي أصبحت تتصاعد يوما بعد يوم وتتسبب بخسائر مؤلمة قوات الاحتلال والمستوطنين.
وعلى إثر ذلك، شنت قوات الاحتلال عملية عسكرية في محافظات شمالي الضفة، بزعم القضاء على المقاومة التي أخذت تتنامى وتتسع، رغم ملاحقات الاحتلال والسلطة.
وقُتل صباح اليوم ثلاثة من شرطة الاحتلال الإسرائيلي في عملية إطلاق نار قرب حاجز ترقوميا بالخليل، بعد نحو 36 ساعة من عملية مركبة تم خلالها تفجير سيارتين مفخختين وإطلاق نار داخل مستوطنة كرم تسور بالخليل، وهو ما تسبب بعدد من الإصابات بينهم قائد رفيع بجيش الاحتلال.
ويقول الكاتب محمد القيق إنه: "منذ السابع من أكتوبر شن الاحتلال عملية ردع كبيرة في الضفة من قتل وتشريد وتجويع للأسرى وإطلاق العنان للمستوطنين".
ويضيف القيق، في حديث لـ"صفا"، أن "الغضب المؤجل في الضفة انتهى، وبدأت عمليات المقاومة في تصاعد، وانعكس على ثلاثة مراحل تمثلت بعمليات مواجهة عائلية نتيجة تصاعد اعتداءات المستوطنين، والتي ستخوض فيها القرى والمدن والعائلات مواجهات ضد المستوطنين".
ويعتقد أن "الضفة ستشهد مواجهات فردية في وقت ستزيد موجة العمليات، نظرا لاستمرار الحرب في قطاع غزة ومشهد الانجاز الكبير في الضفة وتصاعده، إلى جانب المقاومة والمواجهة المنظمة التي ستقودها التنظيمات الفلسطينية، والتي بيئتها الآن أصبحت جاهزة في إقناع الشارع".
ويرى القيق أن "الشارع صار مقتنعا بحتمية المقاومة، نظرا لما يتعرض له من انتهاكات يومية، وحرب الإبادة في غزة والاستيطان المسيطر في الضفة، وهناك أفق لانتصار المقاومة نظرا لانعدام الأفق السياسي".
وبحسب الكاتب فإن "ما يجري هو تطور للاستراتيجية الجديدة في الضفة، والسلاح الذي وضع جانبا في السابق بات هو الخيار، وهذا الخيار سيدفع بخيارات جديدة أكثر وأقوى وأشمل".
ويتطرق إلى أن الاحتلال حاول مرارا عزل الساحات، لكن وبمجرد اقتحامه لجنين وطولكرم وطوباس فشل في عزل الساحات نهائيا، وأثبتت المقاومة جدارتها في توحيد الساحات، وهذا دلالة على أن أي معادلة في الهدن ستكون مرتبطة بجغرافيا الساحات.
وينوه إلى أن الاحتلال ورغم حرب الإبادة في غزة، لم يستطع الانتصار على المقاومة، ولا حتى في عملياته المستمرة في الضفة، بمعنى أن هناك حالة من النشوة لدى الفسطينيين بديمومة المقاومة وتواصلها في ظل انعدام الأفق السياسي، والسكوت العالمي حيال ما يجري من مجازر في غزة.
بدوره، يقول المحلل السياسي مروان قبلاني لـ"صفا" إنه :"ومنذ اليوم الأول لمعركة طوفان الأقصى، والمقاومة الفلسطينية في الضفة تخوض اشتباكات شبه يومية من أجل تخفيف الضغط عما يجري من إبادة جماعية في غزة، رغم الامكانيات البسيطة".
ويضيف قبلاني أنه ومع مرور الوقت، وخروج الصورة من غزة، عكست غضبا شديدا وأصبح هناك التفاف جماهيري أكبر، لأن صورة الإبادة الجماعية التي جاءت من غزة أثرت في الشباب المقاوم، وجعلتهم مستعدين لبذل الغالي والنفيس من أجل التخفيف عن أهالي غزة.
ويلفت قبلاني إلى أن منطقة جنين بالتحديد، شهدت خلال الانتفاضة الثانية اجتياحات ومقاومة شرسة ومجازر راح ضحيتها عدد كبير من الشهداء، واليوم من يخوض غمار المعركة هم أقارب وأبناء وأصدقاء الشهداء الذين لم ينسوا دماءهم، وهذا الأمر في حالة النضال الفلسطيني مهم جدا، وهو أن الفلسطينيين منذ أكثر من مئة عام مستمرون في محاولات تحرير وطنهم وتطهير أقصاهم.
ويوضح أن معركة طوفان الأقصى وهي على أبواب شهرها الحادي عشر وارتقاء أكثر من 40 ألف شهيد في غزة، وزيادة ضغط الاحتلال على مدن وبلدات الضفة، وارتقاء شهداء يوميا وتهجير المواطنين ومصادرة الأراضي وهجمات المستوطنين والتهديد ببناء كنيس داخل الأقصى، هذه الأمور جميعها أدت لحالة من الغضب لدى المقاومين ولدى أوساط الشباب في الضفة.
ويفسر قبلاني تصاعد موجة المقاومة في الضفة، هو تهديد الوجود الفلسطيني، الأمر الذي جعل الكل الفلسطيني يلتف حول برنامج المقاومة، على الرغم من الضغط الشديد الذي تعرضت له، وعلى الرغم من الاقتحامات اليومية، إلا أن المقاومين استطاعوا أن يستفيدوا من حالة الغضب الشديد وصورة المجزرة التي جرت في غزة، من أجل بناء قدراتهم والتخلص من الضغط الأمني والقدرة على المناورة والقدرة على تنفيذ الضربات.
ويرى قبلاني أن فشل مفاوضات التسوية في ضمان الحق الفلسطيني، وفشلها في تحسين حياة الفلسطيني وتحرير أرضه، زاد من الشعور بحتمية مواجهة الاحتلال.
ويقول إن :"الاحتلال ينتقص يوميا من الاتفاقيات الموقعة، إلى جانب الرد السلبي من السلطة ووقوفها موقف المتفرج، جعلت الشباب الفلسطيني ينحاز إلى برنامج المقاومة، لأنهم رأوا أن التسوية لا تجلب لهم سوى مزيدا من القتل والدمار والألم".
ويؤكد أن انحياز الشبان للمقاومة وبرنامجها، وما يجري اليوم في الضفة من تنامي لقدرات المقاومة من تنظيم وقدرة على المناورة والكر والفر، دليل على أن الشعب الفلسطيني فقد الأمل في كل التسويات وفي كل الحلول السلمية، وانحاز وعاد إلى طريق المقاومة، وهي من تضمن بقاؤه في أرضه وتحقق حريته واستقلاله.