كل شخص في قطاع غزة يمتلك حذاءً يحافظ عليه بشتى الوسائل والطرق، لأنه يعرف تماماً إذا تمزق لن يجد بديلاً له.
حيرة تسيطر على وجوه الأمهات والآباء عندما يقفون أمام محال بيع الأحذية ولا يجدون طلبهم، فكل ما في هذه المحال يقتصر على الرفوف وبعض البضاعة التي نزعت جودتها صواريخ جيش الاحتلال الإسرائيلي، فحتى تلك الأحذية التي لم تكن تلبي ذوق الأهالي أصبحت كنزاً لمن يجدها في هذه الأيام.
ليس الأمر كما تتمناه الأم لصغيرها، فالحرب أخذت معها الأخضر واليابس، لم تترك لأهل غزة ما يقي أقدامهم من حر رمال تكالبت عليها حرارة صيف شهر تموز، إضافة إلى حمم قذائف وصواريخ حفرت باطنها على مدار عشرة أشهر ويزيد.
"العودة بخفي حنين" هذا حال الأمهات والآباء عند ذهابهم لشراء أحذية لهم ولأطفالهم، بعدما تمزقت تلك التي ينتعلونها بعد محاولات إصلاحها العديدة عند "الإسكافي" الذي حينما تزوره تجد العديد من الأحذية التي أعيد خياطتها أكثر من مرة ولم تعد قادرة على احتمال سير الخيوط عليها مرة أخرى.
يروي إياد عسلية (45 عاماً) لوكالة "صفا" تفاصيل بحثه عن أحذية لصغاره: "بحثت في السوق كله ولم أجد أحذية، لدي 8 أبناء بأعمار متفاوتة حاولت كثيراً أن أجد لهم شيئاً لكن دون فائدة".
عسلية الذي هدم الاحتلال منزله، ويمكث الآن نازحاً في أحد مراكز الإيواء شمالي القطاع، حاول العثور على أحذية لوضع حد لمعاناة أبنائه الذين جبرتهم ظروف الحرب على السير حفاة منذ عدة أشهر، بعدما أعاد خياطة ما لديهم عدة مرات.
"عدم امتلاك الصغار للأحذية يجعلهم عرضة للإصابة بجروح متفاوتة إذا ما سار في طريقه على مسمار، الأمر الذي قد يؤدي إلى إصابتهم بالتسمم".
يتابع عسلية: "بحثت كتيراً على أي نوع من الأحذية كي يلبسها الأولاد بأقدامهم منعاً لحدوث أي شيء معهم، تفاجأت أن أرخص سعر موجود هو 200 شيكل، ونوعه رديء من "الإسفنج" الذي يقطع من أول مرة".
يضيف: "لا يوجد أمامنا خيارات في ظل ما نعيشه من ظروف صعبة بالشمال، اتجهنا لتفصيل الأحذية عند "الإسكافي" حتى نحمي أولادنا من مخاطر السير دون أحذية".
ويعبر عن حزنه قائلاً: "لم نتخيل طوال عمرنا أن نعيش هذه الحياة أو أن يصل بنا الحال في يوم من الأيام إلى هذا المستوى من المعاناة والألم"، متابعاً: "ما يحدث معنا في الشمال هو ضريبة صمودنا، ومهما عمل الاحتلال بنا سوف نبقى صامدين ولن نترك أرضنا لهم".
ويمنع الاحتلال الإسرائيلي إدخال الأحذية وغيرها من المواد الغذائية إلى شمال قطاع غزة منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر الماضي.
الأمر لا يختلف كثيراً عن الأم حنان الحادي (40 عاماً)، تقول لوكالة "صفا"، إن "عدم توفر الأحذية في الأسواق يعتبر معضلة كبيرة ينجم عنها مشكلات عديدة"، مضيفة: "بعد 10 أشهر من الحرب أصابنا الندم كثيراً لعدم شرائنا الأحذية وتخبئتها لهذا الوقت".
وتردف حنان: "النقص في الأحذية وعدم وجودها جعلني أقلل زيارتي لأخواتي وجيراني، فكيف أزورهم وأنا لا أمتلك ما ارتديه في قدمي؟".
وتعبر حنان عن استيائها متسائلة: "لماذا يفعلون بنا هكذا؟ الطعام وتأقلمنا على عدم وجوده وعوّدنا أنفسنا على أقل القليل، لكن الأحذية لماذا لا يسمح الاحتلال بدخولها؟ حتى أن الموجود سعره غالٍ جداً ولا تتوفر الأموال الكافية لشرائها بتلك الأسعار".
وتضيف لـ"صفا": "قمت بخياطة أحذية أولادي أربع مرات، وفي إحدى المرات وضعت فيهم مسامير للحفاظ عليهم لوقت أطول، لكن الآن لم تعد تصلح للارتداء أو حتى إعادة الإصلاح، لذلك اتجهنا لتفصيل الأحذية بدلاً من السير حفاة الأقدام على رمال حارقة لا تميز بين صغير وكبير".