نهشت الكلاب لحمه

محمد بهار.. فاجعة قلب أم لم يرحم جيش الاحتلال عجزه

غزة - مدلين خلة - صفا

لم يرحم جنود الجيش الأكثر وحشية على وجه الأرض ضعف الشاب محمد بهار (24 عاماً) والمصاب بـ "متلازمة داون"، بل كان التعامل معه أكثر قسوة وبشاعة عن إخوانه الذين اعتقلهم الاحتلال الإسرائيلي في الاجتياح الأخير لحي الشجاعية شرقي قطاع غزة.

كانت تلك الليلة كفيلة بأن تمحو كافة الضحكات والذكريات الجميلة، من خيالات الوالدة المكلومة، ويسكن بدلاً عنها صوت صرخات محمد والكلاب المسعورة التي أطلقها جنود الاحتلال عليه تنهش أوردته دون مراعاة حالته الصحية وخوفه الذي عم أرجاء جسده منذ لحظة خطفه من حضن والدته.

كانت بداية الشهر الجاري نهاية رحلة محمد في هذه الدنيا، فعندما أعلن جيش الاحتلال بدء عملية عسكرية ثالثة على حي الشجاعية بقيت العائلة محتجزة في منزلها لأسبوع كامل تحت أزيز الطائرات وشلال الصواريخ الذي لم يهدأ لحظة واحدة، فالعائلة بأكملها لم تكن تتخيل أن محمد سيتعرض لهذا الحجم الكبير من الوحشية والتي طالت المدنيين العزل قبل ذلك.

كان منتصف الليل شارة البداية وبداية النهاية، حيث ترجل الجنود من مصفحاتهم التي أفلتت سهوا من رواجم المقاومة، واقتحموا المنزل بعد تحطيم الباب تتقدمهم كلابهم التي تشبه وحشيتهم وتحمل معها حقدهم على الأبرياء العزل، إضافة إلى تعليمات قيادتهم وإعطائهم الضوء الأخضر لفعل كل ما يرغبون به من إجرام دون أي رحمة بصغير او شيخ كهل كبير أو مريض.

"كانت أمي تخاف على أولادها من أي سوء قد يصيب أحدهم وكان خوفها الأكبر على محمد بسبب حالته الصحية، وكمان محمد ما كان يعرف شي أو شو بيصير، يسمع صوت القصف يركض على أمي اللي كانت إلو الأمان والدفئ"، بهذه الكلمات روى جبريل بهار شقيق الشهيد محمد تفاصيل ليلة مروعة عايشتها العائلة.

"اقتحم جيش الاحتلال البيت في منتصف الليل، تفاجأنا أن الكلاب تهجم على جسد محمد الذي ما زال في حضن امي وبدأت تنهش لحمه وسط صرخاته التي اخترقت قلب والدتي وعجزت ونحن عن افلاته من بين أسنان تلك الكلاب". يضيف بهار

يصارع الأخ وجع سكن جسده يتمنى بأن يكون ما عايشه وما رآه كابوساً مرعب يرغب في أن يستيقظ منه ويرى محمد يركض في أنحاء البيت ويفترش أرضيته عندما لا تلبى طلباته بشكل فوري.

يتابع جبريل حديثه: "الجيش سحب محمد من بين الكلاب واقتادوه إلى إحدى غرف البيت وهو ينزف ويصرخ، وامي ما تزال تستجدي الجنود بأن يعطوها اياه لكي تضمه في أحضانها ولكن دون جدوى".

"ظل محمد يصرخ خلف الباب المغلق لتلك الغرفة، فاحضر الجنود طبيبا كان برفقتهم ليدخل ويراه".

سكن صراخ محمد ولم يعد له صدى حتى أنفاسه اختفت ولزمته الراحة الأبدية، "بعد دخول الطبيب بدقائق توقفت أصوات اخي فجأة، أعتقد أن هذا الطبيب أعدم أخي بطريقته التي لم يكن شقيقي ضحيتها الأولى".

ويضيف شقيق الشهيد: "خرج الجنود بعدها وطلبوا من أمي أن تخرج برفقة النساء والاطفال، واغلقوا الباب ودفعوها خارج الغرفة وهي ما تزال تطلب منهم رؤية محمد، ليجيبها دون رحمة "لا يوجد محمد".

وكأن الحياة توقفت هنا فالوالدة المكلومة أيقنت أن صغيرها فارق الحياة، لن تحتضنه مرة أخرى لن تؤمن خوفه وتهدئ من روعه، ذهب محمد وبقي حضن الوالدة فارغا.

"لم أترك أي طريقة ولم أعدم الوسيلة، تواصلت مع الصليب الأحمر استنجدت بهم مرات كثيرة لإنقاذ جثمان أخي أو ما تبقى منه ولكن دون جدوى، لا خبر عن محمد وقلب أمي يحترق كل يوم على أمل أن تسمع قلبه ينبض".

يكمل جبريل: "بعد أسبوع من الحادث تسللت وبعض أبناء عمومتي لمنزلنا في شارع النزاز، حيث وجدنا آثار الدماء تملأ البيت وجسد اخي متحللا".

يبقى السؤال الأبرز هنا كيف ستتعافى الخالة نبيلة من مشهد ترى فيه صغيرها والكلاب تنهش لحمه، والتي طالما خافت على أن تموت وتتركه للدنيا، التي حكمت عليها أن تكون والدة لطفل صغير وهي بعمر السبعين عاما.

ط ع

/ تعليق عبر الفيس بوك