web site counter

ضحايا الإخفاء القسري

معتقلو غزة.. بين القتل العمد والمصير المجهول

غزة - خــاص صفا

يواجه الآلاف من معتقلي قطاع غزة داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي جريمة التعذيب والإخفاء القسري، وسط تعتيم شديد حول أسمائهم وأعدادهم ومصيرهم، وحتى أوضاعهم الصحية. 

وعلى مدار 225 يومًا من حرب الإبادة الجماعية المتواصلة على القطاع، يحرم الاحتلال هؤلاء المعتقلين من لقاء المحامين وزيارة وفود اللجنة الدولية للصليب الأحمر لهم، ويرفض إعطاء المؤسسات الحقوقية والمعنية بشؤون الأسرى أي معلومات دقيقة عن أعدادهم وأماكن اعتقالهم، وحول الذين استشهدوا أثناء اعتقالهم. 

ويتعرض المعتقلون داخل معتقلات الاحتلال لأبشع أساليب التعذيب الجسدي والنفسي، والقتل المتعمد والإعدام التعسفي وهم مكبلو الأيدي ومعصوبي الأعين، إذ ظهرت على أجساد العديد من المفرج عنهم آثار التعب الشديد والإجهاد والتنكيل البشعة، ونقلوا على أثرها للمستشفى لتلقي العلاج. 
أساليب التعذيب هذه، لم تقتصر على الرجال فقط، بل طالت نساء وأطفال ومسنين ومرضى وجرحى، وأدت لاستشهاد 27 معتقلًا داخل سجون الاحتلال دون معرفة هوياتهم، وفق ما كشفت عنه معطيات إسرائيلية.

وكانت الهيئة العامة للكنيست الإسرائيلي صادقت بالقراءة التمهيدية على سلب حقوق معتقلي غزة من التمثيل القانوني أمام محاكم الاحتلال، فضلًا عن حرمانهم من لقاء المحامين.

ومنذ بداية العدوان، عمل الاحتلال على إخفاء معتقلي غزة قسريًا في معسكرات للجيش، ناهيك عن تعديله الأوامر العسكرية والقوانين بما يخدم اعتقال أكبر عدد من الفلسطينيين لفترات طويلة دون اتخاذ أي إجراء قانوني بحقهم.

مكتملة الأركان

رئيس نادي الأسير قدورة فارس يقول إن قوات الاحتلال تمارس جريمة الإخفاء القسري بحق معتقلي قطاع غزة، وترفض تزويد المؤسسات المعنية بالأسرى بأي معلومات حول قضيتهم.

ويضيف فارس، في حديث لوكالة "صفا"، أن هذه السياسة الإسرائيلية تشكل جريمة مكتملة الأركان سواء من حيث طريقة الاعتقال أو أعمال التعذيب والتنكيل التي يتعرض لها المعتقلون أو النتائج المأساوية التي أدت لاستشهاد عدد منهم وبتر أطراف بعضهم، نتيجة تلك المعاملة الوحشية.

ويؤكد أن "إسرائيل" تحللت من كل الالتزامات المترتبة على الدول، وتتصرف كعصابة إجرام، فيما العالم لا يتحرك على مستوى الجريمة التي ترتكبها بحق المعتقلين، ما يُفسر إمعانها واستمرارها في ممارسة جريمة الإخفاء القسري. 

ويتعمد الاحتلال إخفاء المعلومات بشأن معتقلي غزة- وفق فارس- لإعطاء نفسه هامشًا أوسع من الوقت للتنكيل بهم وتعذيبهم والتحقيق معهم، وهي في سباق محموم مع الزمن، كونها تمارس سياسة الانتقام من أهالي القطاع. 

ويوضح أن "إسرائيل" تُريد ممارسة أساليب تحقيق بشعة مع معتقلي غزة، بهدف الحصول على أية معلومة يمكن أن تفيدها في حربها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني في القطاع. 

فشل ذريع

وحسب فارس، فإن "الاحتلال يتصرف من موقع شعوره بالفشل والخيبة، لعدم قدرته على تحقيق أي صورة انتصار أو إنجاز في حربه المتواصلة، ويظن أنها يستطيع من خلال التعذيب والتنكيل الحصول على أي معلومة تُساعده على تحقيق أهدافه". 

وحول إمكانية الحصول على أي معلومات بشأن أعداد المعتقلين وأوضاعهم داخل السجون، يقول فارس: "حاولنا منذ بداية الحرب الحصول على تلك المعلومات، إلا أن كل محاولاتنا لم تفلح في تحقيق أي اختراق على هذا الصعيد".

ويتابع "في الآونة الأخيرة أجرى الاحتلال تعديلًا على قانون ينص على أنه من حق أي أسير بعد 90 يومًا لقاء المحامي، ونجري محاولات جدية لنتمكن من إحداث هذا الاختراق والبدء بزيارات لأسرى من غزة". 

ويضيف "حاليًا حين نتقدم بطلبات لزيارة هؤلاء المعتقلين، وخصوصًا لمن أمضوا أكثر من 90 يومًا رهن الاعتقال، فإنه لا يوجد قانونيًا ما يحول دون تحقيق ذلك، لكن بالنهاية إسرائيل تُطوع القانون وفقًا لما تريد". 

ويؤكد عدم  وجود أي معلومات حول أعداد معتقلي غزة داخل السجون، "إلا أن إدارة مصلحة السجون تتحدث عبر موقعها عن 300 أسير من غزة مصنفين كـ (مقاتلين غير شرعيين)".

ويستدرك "لكن ليس كل من اعتقل من غزة يكون تحت إشراف إدارة السجون، فهناك جزء من المعتقلين تحت إشراف جيش الاحتلال مباشرة ويقبعون داخل معسكر (سديه تيمان)، وهذا لم يُفصح عنه الجيش". 

ويبلغ عدد الأسرى الذين استشهدوا داخل السجون خلال الحرب وعُرفت أسماؤهم 18 أسيرًا، بينهم ستة غزيين، في حين كشف صحيفة "هآرتس" العبرية مؤخرًا، عن 27 شهيدًا من غزة لم تُعرف هوياتهم بعد، لكن تقديرات نادي الأسير تشير إلى أن العدد يفوق ذلك، وفق فارس.

ويصف الوضع داخل السجون بأنه صعب ومأساوي جدًا، إذ يتم ارتكاب أبشع الجرائم بحق المعتقلين، مطالبًا بتكثيف كل وسائل الضغط على الاحتلال لوقف الجرائم بحق الأسرى، بما فيها جريمة الاخفاء القسري. 

انتقام وتعذيب

أما رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده فيقول إن جيش الاحتلال ارتكب جرائم الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية والحرمان من المحاكمة العادلة على نطاق واسع ومنهجي ضد الأسرى والمعتقلين، واستخدم وسائل متعددة من التعذيب الجسدي والنفسي العنيفة بحقهم، بما في ذلك جرائم القتل العمد والحرمان من الرعاية الطبية.

ويوضح عبده، لوكالة "صفا"، أن كل من تعرض للاعتقال من قطاع غزة كان يتعرض لجريمة الإخفاء القسري، بحيث كان يعقب الاعتقال رفض الإقرار بحرمانهم من حريتهم، أو معرفة مصيرهم، أو مكان احتجازهم أو ظروفهم، لذلك لم تتوفر أي معلومات عن حالات القتل والشهداء داخل السجون ومراكز الاعتقال. 

ويشير إلى أن المرصد وثق 39 نمطًا مختلفًا من أشكال التعذيب تعرض لها المعتقلون لنزع الاعترافات منهم تحت الإكراه، أو للانتقام منهم، أو لمعاقبتهم، كونهم فلسطينيون من قطاع غزة. 

ووفقًا لشهادات عدد من الأسرى والمعتقلين، كما يضيف عبده، فإنهم تعرضوا للاحتجاز والتمديد دون عرضهم على الجهات المختصة أو أي من الإجراءات القانونية الواجبة، وكانوا يُحتجزون ويُعذبون في منشآت احتجاز سرية  أو غير رسمية، وتحديدًا في منشآت أو قواعد عسكرية للجيش قرب حدود غزة، على نحو يُخالف التشريعات الإسرائيلية والدولية ذات العلاقة.

ويبين عبده أن سلطات الاحتلال أجرت عديد التعديلات التعسفية وغير القانونية على التشريعات الإسرائيلية التي تخالف أساسًا القانون الدولي، في محاولة إضافية لتوفير غطاء قانوني شكلي لاعتقال الفلسطينيين من غزة وحرمانهم من أية حقوق مقررة لهم. 

ويضيف أن "مسؤولية هؤلاء المعتقلين أصبحت تقع بشكل مباشر تحت نطاق صلاحيات الجيش وجهاز المخابرات العامة، ويجري احتجازهم في مراكز اعتقال واحتجاز تابعة لهما، مثل معسكر (سدي تيمان)، وهو عبارة عن أقفاص حديدية محاطة بالأسلاك الشائكة أشبه بأقفاص الدجاج والحيوانات". 

ومن ناحية قانونية، يرى عبده أن ممارسة جريمة الإخفاء القسري وكل الاعتداءات الوحشية ضد المعتقلين والمعتقلات وتعمد إلحاق الألم والمعاناة الشديدة لديهم، إلى حد ارتكاب جرائم التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بحسب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

ويطالب عبده بالضغط على "إسرائيل" للتوقف فورًا عن ارتكاب جريمة الإخفاء القسري ضد الأسرى الغزيين، والكشف الفوري عن مصيرهم، والإفصاح عن أسمائهم وأماكن وجودهم، وتحمل مسؤولياتها كاملةً تجاه حياتهم وسلامتهم، والتوقف الفوري عن ارتكاب جرائم  التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والحاطة بالكرامة الإنسانية.

ويدعو اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى تحمل مسؤولياتها والتحقق من أوضاع المعتقلين في سجون الاحتلال وظروف احتجازهم، والبحث عن المفقودين والمخفيين قسرًا، والمساهمة في الكشف عن مصيرهم.

أ ج/ر ش

/ تعليق عبر الفيس بوك

تابعنا على تلجرام