يتفق كثير من المحللين السياسيين والعسكريين على صعوبة تحديد أمد لنهاية المواجهة الحالية بين "إسرائيل" والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، فهذه الحرب المباغتة التي بدأتها كتائب الشهيد عز الدين القسام فجر السبت، أربكت حسابات المحللين مثلما أربكت حسابات السياسيين والعسكريين.
وقال المحلل السياسي سامر عنبتاوي لوكالة "صفا" إن المعركة ومنذ بدايتها كان شكلها ونوعها واختراقاتها تتميز بالتخطيط والإعداد المسبق الذي فاجأ العالم، وثبت أنها ليست عملية خاطفة وإنما مستمرة ونوعية ولها ما بعدها.
وأضاف أن وقْع الصدمة أربك قدرة المنظومة الأمنية والسياسية الإسرائيلية ونتنياهو على اتخاذ القرار.
فلو قرر انتهاج أقصى درجات العنف ضد غزة والمقاومة فأمامه معضلتان؛ أولهما أنه لا يعلم عدد أسراه في غزة، والثاني أن حماس لم تدخل هذه المواجهة إلا بعد التنسيق مع محور المقاومة وبالتالي فالأمور ربما تمتد إلى مساحات أخرى، وإذا كان لا يستطيع مواجهة قطاع غزة بإمكاناتها المحدودة فكيف لو فتحت باقي الجبهات؟
أما خيار السكوت على ما حصل، فهو انتحار لكل القيادات السياسية والأمنية الإسرائيلية، وقبول بهزيمة غير مسبوقة لدولة الاحتلال.
ويرى أن التنبؤ بسيناريوهات التطور المستقبلي لهذه المواجهة صعب، وبالنسبة للمقاومة فهي دخلت المواجهة ولن تتراجع عنها ومهما بلغت الخسائر، وهناك إجماع فلسطيني على هذا التوجه.
وعلى الجانب الآخر، بدأت المعركة بهزيمة مدوية للاحتلال وجيشه الذي كان يعاني أصلا من تراجع معنويات جنوده بسبب الهزائم المتتالية منذ 2006 والآن الهزيمة أكبر وأضعفت المناعة لدى الجيش من جهة.
وعلى الجبهة الداخلية الإسرائيلية هناك من بدأ يفكر بالهجرة لأنه لم يحصل على الأمن والرخاء الذي وعد به، فمن الذي سيعود لهذه المستوطنات في غلاف غزة التي أصبحت مخلاة بفعل المقاومة؟
وحول توقعاته لسيناريوهات نهاية المواجهة، قال أن الطرفين يخسران باستمرار المعركة، لكن الخسارة الإسرائيلية مدوية، ولهذا فجهود الوسطاء لن تجدي نفعا في المرحلة الحالية على الأقل، ومهما كانت الوساطات، فلن يكون هناك تراجع من جانب المقاومة، وقد تتفاقم الأمور لمواجهة كبيرة وإقليمية، والأمور مفتوحة على كل الاحتمالات، والاحتلال سيقدم بالتأكيد تنازلات.
ويعتقد أن الاحتلال سيفقد السيطرة على منطقة غلاف غزة، وحتى لو عاد الجيش إلى بعض المواقع فيه، سيصبح مناطق مهددة وسيصبح الشريط الحدودي غير امن لأي إسرائيلي.
ومن جانب آخر، فقد أعلنت المقاومة أن أحد أهم أهداف المعركة هو تبييض السجون، ودولة الاحتلال حتى الآن لا تعلم عدد قتلاها وأسراها، ولهذا فهي مجبرة على الرضوخ لبعض الشروط.
واعتبر عنبتاوي أن الثمن المقبول فلسطينيا لهذه المواجهة هو تبييض السجون كاملا، ووقف كل إجراءات الأمر الواقع في المسجد الأقصى، ولجم المستوطنين، ووقف الاستيطان، والانتهاء من وجود بن غفير وسموتريتش في الحكومة التي قد تنهار.
وتوقع حصول تحول استراتيجي بأن يكون هناك توجه دولي بالكامل لحل القضية الفلسطينية وتحقيق الانسحاب، والخروج من حقبة هيمنة الإسرائيليين وفرضهم الأمر الواقع على الأرض.
ورأى أن هذه شروط معقولة وهي تمثل الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، وإن لم يتحقق ذلك، فسيكون التوجه إلى توسيع المواجهة إلى ما هو أكبر بكثير.
من جانبه، يرى المحلل السياسي سليمان بشارات أن هناك مجموعة من المحددات التي ستلعب دورا كبيرا في إطالة أو تقصير مدة المواجهة الحالية.
وأول تلك المحددات شعور إسرائيل بالإذلال الكبير والخسائر الكبيرة جدا، وهذا لن يجعلها تتراجع إلا إن تمكنت من الحصول على بعض الأهداف التي يمكن أن تحفظ لها ماء وجهها، إما من خلال رفع ميزان كلفة المقاومة الفلسطينية حتى وإن كانت الخسائر في صفوف المدنيين.
ولفت إلى أن إسرائيل في كثير من المواجهات السابقة كانت تتحدث عن تحقيق إنجازات وأنها قضت على البنية التحتية للمقاومة، ولكن فاتورتها كانت تضم خسائر مادية وبشرية، وهذا هو التفسير الأول لما تقوم به حاليا من تكثيف للضربات على غزة.
والمحدد الثاني هو الرؤية الإقليمية والدولية للولايات المتحدة لتداعيات وتبعات هذه المرحلة، فإذا كانت معنية بأن تتحول هذه المحطة إلى مواجهة إقليمية أو أن توصل من خلالها رسائل أو أن تؤثر على بعض أطراف خارطة الشرق الأوسط وتحديدا إيران ومحور المقاومة، ففي هذه الحالة سيطول عمر هذه المواجهة، وبهذا تحصل إسرائيل على غطاء أمريكي ودولي يمكنها من الاستمرار.
والمحدد الثالث هو طبيعة وتراكمية العمل الميداني للمقاومة، واستمرار وجود المقاومين داخل المستوطنات وإحداث كم كبير من الخسائر في صفوف الاحتلال، وهذا سيجعل الاحتلال مجبرا أمام ضغط الجبهة الداخلية والعالم أن يستمر في العملية حتى يمنع توسع العمل المقاوم وشهية المقاومة لمزيد من التقدم.
أما المحدد الرابع، فهو أن المجتمع الداخلي الإسرائيلي يمر في حالة من التفكك والتضارب والذعر والصدمة في أعقاب العملية ونتائجها، وإن لم تستطع إسرائيل تطمين جبهتها الداخلية بشكل كبير برفع الكلفة وإقناع الجبهة بتحقيق إنجازات، فستكون مجبرة للذهاب نحو حرب مستمرة وأشكال متعددة من المواجهة لتقنع المجتمع الإسرائيلي أنها قدمت ما عليها، لأن هذا المجتمع نشيط ويستطيع أن يؤثر بمستقبل هذه الحكومة.
وحول السيناريوهات المتوقعة لهذه المواجهة، يضع بشارات سيناريوهين اثنين، أولهما إطالة أمد المواجهة، وهذا يعني إمكانية الدخول بمواجهة مفتوحة مع جبهات أخرى وارتفاع نسبة العمل الميداني في الضفة، وهذا يشكل معضلة لإسرائيل وهي غير معنية بانتفاضة عارمة فلسطينيا لأنها ستؤثر على المشروع الاستيطاني بالضفة.
أما السيناريو الثاني والأقرب للتحقق، فهو أن تكثف إسرائيل من ضرباتها وتحاول تحقيق أي إنجازات من منظورها في أقل فترة زمنية ممكنة، والذهاب نحو مسار سياسي من بوابة الهدنة الإنسانية أو بوابة البحث في ملف تبادل الأسرى والقبول بإحداث حالة من التحول في هذا الإطار.
واعتبر بشارات أن الثمن المقبول والواقعي فلسطينيا هو رفع الحصار عن قطاع غزة ومنحه الحرية الكاملة بالعيش والموارد والميناء وحرية السفر، وتحقيق إنجاز في ملف الأسرى.
وبين أن هذين الملفين هما الأكثر إلحاحا وواقعية، ويمكن التسويق لهما، وهذا لن يكون بدون وجود مشروع سياسي.
وعبر عن اعتقاده بأن هذه الجولة ستفضي لمشروع سياسي يكون لحركة حماس فيه حضور في الطرح السياسي المتعلق بالقضية الفلسطينية، من خلال فتح الافاق لها أكثر وتعزيز حضورها السياسي وربما فتح علاقاتها مع العديد من الأطراف والدول.