لم يتوان المقدسيون يومًا في الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك، ووقفوا سندًا منيعًا أمام إجراءات الاحتلال الإسرائيلي ومخططاته الهادفة لفرض وقائع جديدة على المسجد، وأثبتوا برباطهم وصمودهم أنهم أصحاب الحق في هذا المكان المقدس بكامل مساحته البالغة 144 دونمًا.
وشكل انتصار المقدسيين في عديد من الهبات الشعبية التي انطلقت دفاعًا عن المسجد الأقصى، مرحلة جديدة في تاريخ الصراع الديني حول المسجد، والحفاظ على هويته الإسلامية العربية، في ظل استمرار محاولات الاحتلال لطمسها ومحوها.
ومنذ اندلاع شرارة انتفاضة الأقصى عام 2000، عقب اقتحام زعيم المعارضة آنذاك اليميني المتطرف أرئيل شارون المسجد المبارك، شكل المقدسيون نقطة تحول جديدة في التصدي للاعتداءات والاقتحامات الإسرائيلية المتواصلة، معتبرين "المساس به خطًا أحمر".
وشكلت الهبات المقدسية من "البوابات الإلكترونية"، إلى "باب الرحمة"، و"باب العامود"، والشيخ جراح، وغيرها، لحظات فارقة في تاريخ القدس والأقصى، وأفشلت مخططات الاحتلال الرامية لتهويد المسجد وتقسيمه زمانيًا ومكانيًا، وإحداث تغيير جوهري في المكان.
خط الدفاع الأول
الناشط المقدسي صالح ذياب يقول إن المقدسيين يُشكلون خط الدفاع الأول عن المسجد الأقصى، ورغم محاولات الاحتلال المستمرة لتفريغ المسجد بالاعتقال والإبعاد والملاحقة، إلا أن تمكنوا من مواجهة مشاريعه التهويدية، والتصدي لها برباطهم وتواجدهم.
ويوضح ذياب، في حديث لوكالة "صفا"، أن المقدسيين لعبوا دورًا مهمًا وفاعلًا في الدفاع عن المسجد، والعمل لأجل نصرته وتحريره من الاحتلال، ومنهم من قدم روحه في سبيل الأقصى، وحمايته من غطرسه الاحتلال وعنجهيته المتواصلة ضده.
ويضيف أن إجراءات الاحتلال بحق الأقصى، ولاسيما فترة الأعياد اليهودية أحدثت تأثيرًا كبيرًا على الأقصى ورواده، من حيث زيادة الاقتحامات، وعمليات الإبعاد وإفراغه من الفلسطينيين، بعدما حول المدينة المقدسة وبلدتها القديمة إلى ثكنة عسكرية.
ورغم هذه الإجراءات، إلا أن المقدسيين يُواصلون أداء كل الصلوات داخل الأقصى، ويُصرون على التواجد والرباط الدائم داخله، وإعداد وجبات الإفطار، ولعب كرة القدم في ساحاته، من أجل استمرار إعماره، وإفشال مشاريع التهويد بحقه.
ويتابع أن "أهل القدس يتعرضون لضغوطات إسرائيلية كبيرة، ويُبعدون ويُعتقلون وتُهدم منازلهم، في سبيل الحفاظ على الأقصى وحمايته".
ويؤكد الناشط المقدسي أن المسجد الأقصى بكامل مساحته حق خالص للمسلمين وحدهم، لا يُمكن تقسيمه أو التنازل عنه بأي شكل من الأشكال.
"سند منيع"
أما المرابطة المقدسية هنادي الحلواني فتقول: "منذ اليوم الأول لشرعنة المتطرف شارون اقتحامات الأقصى، بات وضع المسجد مرعبًا وأشد خطورة من قبل، نتيجة تصاعد وتيرة الاقتحامات، واستغلال الاحتلال للمواسم الدينية اليهودية".
وتؤكد الحلواني، في حديثها لوكالة "صفا"، أن رباط المقدسيين في ساحات الأقصى وصمودهم شكل درعًا حاميًا للمسجد، بالرغم من محاولة الاحتلال تجفيف كل ما يمكن أن يُساعد على التواجد داخله، من خلال عشرات أوامر الاعتقال الاحترازية والإبعاد.
وتضيف أن "المقدسيين جسدوا الدور الأكبر والأنجع في حماية الأقصى، عبر الرباط والتواجد في ساحاته في كل وقت وحين، وخاصة أوقات الاقتحامات، بالإضافة إلى دورهم في إفشال مخطط الاحتلال لوضع كاميرات المراقبة والبوابات الإلكترونية على أبوابه، وإعادة إغلاق مصلى باب الرحمة".
"ودائمًا يظن الاحتلال أنه وصل إلى مرحلة يستطيع خلالها الاستفراد بالمسجد الأقصى، واستكمال مخططه، والانتقال لمرحلة أعمق، إلا أن هبات الشارع الفلسطيني والمقدسي، وإرادة المرابطين تقلب المعادلة فجأة وتُغير مسار المخطط التهويدي للمسجد المبارك"، وفق الحلواني.
وتتابع المرابطة "في كل مرة يتعثر الاحتلال ويتحطم على صخرة ثبات وصمود المرابطين والمقدسيين وهباتهم الشعبية التي تعتبر حجر عثرة على طريق إفشال مخططه التهويدي".
وتشدد على ضرورة الحث على الرباط وشد الرحال إلى الأقصى من كل مناطق القدس والداخل الفلسطيني المحتل، لأن الاحتلال بدأ يسير في مسار التقسيم المكاني بأماكن معينة داخل المسجد.
بدورها، تقول المرابطة المقدسية عايدة الصيداوي: إن "الله اختار المقدسيين ليكونوا خط الدفاع الأول عن الأقصى، ونحن صامدون ثابتون، ولن يثنينا الإبعاد عن مواصلة دورنا في حمايته والدفاع عنه بكل ما نملك".
وتضيف، في حديثها لوكالة "صفا"، "لكن أهل القدس بحاجة ماسة لمن يُساندهم ويدعمهم من داخل فلسطين وخارجها، وعدم تركهم في الميدان وحدهم، في ظل تشديد الإجراءات الإسرائيلية بحقهم، وإغلاق البلدة القديمة ومنعهم من الوصول للمسجد، خلال الأعياد".