أودى الجسم الوهمي الذي شكلته "إسرائيل"، بقرار من الأمم المتحدة بما نسبته 96% من أملاك الفلسطينيين بأراضي عام 48 المحتلة، في مهاوي المصادرة والنهب، وذلك بعد 75 سنةً من كذبة تشكيل "حارس" أملاك الغائبين.
و"حارس أملاك الغائبين" هو جسم أوعزت الأمم المتحدة بتشكيله عام 1951، قافزة على حقيقة أن من تسلّم مهمة تشكيل هذا الجسم، هو من ارتكب المجازر من أجل إخراج من غابوا عن أراضيهم قسرًا، لاحتلالها.
ويكشف مختصون بشئون ملفات النكبة ومجازرها، حقائق تشكيل ما يسمى "حارس أملاك الغائبين"، وما أفضت إليه اليوم، بعد تلاعب الاحتلال واستغلاله لهذا الجسم.
تكذيبها وترويجها
ويقول المختص بملفات ومجازر النكبة بالداخل المحامي جهاد أبو ريا: "بعد النكبة والتهجير بدأت إسرائيل بترويج كذبة أنها أقامت جسماً وسمته "الحارس على أملاك الغائبين".
ويضيف "أن إسرائيل بدأت بتكرار وترويج الكذبة حتى صدقتها بنفسها وصدقها بعض الفلسطينيين".
وبحسبه، فإن "إسرائيل ادعت من خلال هذه الكذبة أنها نقلت إلى هذا الجسم، إدارة عقارات وأملاك وأراضي وبيوت المهجرين الفلسطينيين والتي تضم ملايين الدونمات من الأراضي ومئات الآلاف من المباني والبيوت والمصانع والحوانيت والمتاجر".
كما أن الجسم الافتراضي الوجود، حوّل إليه "مبالغ طائلة من الأموال، بزعم أن هذا الجسم سيقوم بالمحافظة عليها، وبإدارة أملاك الغائبين حتى يتم إيجاد حل نهائي لهذه القضية"، وهي ما كانت توهم الأمم المتحدة به.
وكما يقول "أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارًا عام 1954 قالت فيه: "يهدف قانون أملاك الغائبين للقيام بوظيفة مؤقتة؛ الحفاظ على أملاك الغائبين كي لا يكون عرضة للنهب والسلب؛ لذلك يمنح القانون للحارس القوة والصلاحية التي تؤهله بشكل فعلي لإدارتها كأنه مالكها".
"ولإدارة هذا الكم الهائل من عقارات المهجرين؛ كان لا بدّ من تشغيل الآلاف من العمال وافتتاح المئات من المكاتب في جميع أراضي الـ48، ولكن في الواقع كان من يبحث عن مكتب الحارس على أملاك الغائبين ومكاتبه وعماله وإدارته، لا يجد شيئًا"، يقول أبو ريا.
ويضيف: "لذلك كذبوا الكذبة وصدقوها، وبعضنا صدقها، حينما توجهنا للبحث عن مكاتب هذا الجسم الوهمي".
حاضر وغائب وفق الأهواء
من جانبه، يقول مسئول جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين في الداخل سليمان فحماوي، لوكالة "صفا": "إن دائرة أملاك الغائبين التي شكلت عام 1951، تقصد كل فلسطيني ترك أرضه عام 1948 أو عام 1949 قسرًا".
ويضيف: "الغائب ينطبق على من هُجروا خارج أو داخل الوطن، حتى أن الذي هُجر من شارع لشارع في نفس بلدته، غائب أيضًا، ولا يمكنه العودة لها، وهذه هي قساوة القانون العنصري".
كما أن "إسرائيل" حوّلت الجسم من "حارس" حسب مصطلح الأمم المتحدة، إلى دائرة أملاك الغائبين، ثم حولتها إلى "سلطة أراضي إسرائيل"، بعدما نهبت الأملاك، وتبقى للفلسطينيين 3% فقط منها اليوم، بعد أن كانوا يملكون 96% من أراضي وأملاك الـ48.
ومن فدائح العنصرية الإسرائيلية، هي أن الفلسطيني وفق قانونها "غائب إذا أراد وطالب بالعودة إلى بلدته أو بيته، وحاضر إذا جاء ليوقع اتفاقية لبيعها، بمعنى أنها لا تعترف به إذا حضر، إلا إذا باع أملاكه لها".
ما أفضى إليه تلاعب سنين
ووفق فحماوي، فإن الاحتلال في عام 2008-2009 ألغى الجسم، وأصبح هناك "سلطة أراضي إسرائيل"، التي باعت -وما تزال- أملاك أولئك المهجرين، مستغلة غيابهم، لأفراد ومؤسسات وشركات تابعة للاحتلال.
وبالرغم من الاعتراضات في ذلك العام، والمخاطبات لمحاكم الاحتلال وحتى مخاطبة المدافعين عن أملاك المهجرين للرئيس الفلسطيني محمود عباس، إلا أنهم لم يجدوا آذانًا صاغية، وفق فحماوي.
وإزاء ذلك-يكمل فحماوي- قسّمت "إسرائيل" الدائرة إلى مؤسسات وصناديق، منها "الكيرين كاييميت"، الذي يعني الصندوق القومي الدائم لـ"إسرائيل"، وهو من يتصدر اليوم الحرب على فلسطينيي أراضي عام 1948 بالمسكن والأرض.
وبالرغم من كل عمليات النهب والبيع والشراء لما نسبه 96%، إلا أن 70% من أراضي "الغائبين" قسرًا، فارغة، وهناك إمكانية لعودتهم وتعمير أراضيهم وبيوتهم، إلا أن "الحارس" الذي تحوّل لـ"قانون أملاك الغائبين" يحول دون ذلك.
الواقع والبديل
وينأى الفلسطينيون في أراضي الـ48 بأنفسهم عن التوجه لما تسمى محكمة العدل العليا الإسرائيلية، وتقديم أوراق الطابو والإثباتات التي يمتلكونها، من أجل العودة لأراضيهم.
ويفسر فحماوي ذلك بالقول "إن هذه المحكمة يمكنها أن تحكم بعدم أحقية أصحاب الأرض بها، وفق سابقة قانونية وضعتها إسرائيل، هي قانون أملاك الغائبين ونصوصه القاسية، لذلك فإننا ننأى بأنفسنا كفلسطينيين عن التوجه لهذه المحكمة".
وما يفعله الفلسطينيون اليوم، أمام ذلك "الحارس السارق"، هو زيارة قراهم رغمًا عنه، والتذكير بحق العودة، وتسيير مسيرات عودة سنوية لها، وترميمها، ضمن خطوات نضالية لتذكيره بأنه احتلال وأن "حاميها حراميها"، وفق ما يصف فحماوي.