لم تكن 54 عامًا مضت كافية لمحو مشهد جريمة حرق متطرف يهودي للمسجد الأقصى المبارك، إذ ما زال الحدث الأليم أمام أعين من رأوه، وكأنه وقع اليوم، سيما مع تصاعد اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على المسجد بشكل خطير، وسط صمت عربي ودولي مطبق.
ويوافق غدًا الاثنين، الحادي والعشرين من آب/ أغسطس، الذكرى الـ54 لإحراق المسجد الأقصى المبارك، وتضرر أجزاء منه، ضمن مخطط خطير لتفريغه من المسلمين والسيطرة عليه.
وفي مقابلات خاصة تحدث شهود عيان لوكالة "صفا" عن اللحظات الأولى لاندلاع الحريق الذي أتى على أجزاء واسعة من المسجد، وخلف ذاكرة صعبة لديهم عن هذا اليوم الأليم.
وقت الجريمة
المدير السابق للوعظ والإرشاد بأوقاف القدس الشيخ عمر الحلبي، كان أحد الشبان في ذلك الوقت، وساعد في إطفاء الحريق، يقول: "لم أتمالك شعوري لحظة اشتعال النيران في المسجد الأقصى، وانتفضنا جميعًا لهول الجريمة".
ويضيف، في حديثه لوكالة "صفا"، "حملنا المياه إلى داخل المسجد لإطفاء الحريق، وصرخنا بأعلى أصواتنا الله أكبر الله أكبر".
أما نائب المدير العام للأوقاف الإسلامية بالقدس الشيخ ناجح بكيرات، فيقول: "الاحتلال خطط من اليوم الأول لاحتلال القدس للتخلص من المشهد الحضاري الموجود داخل المسجد الأقصى، هذا المنظر الإسلامي أراد الاحتلال بحرقه أن يتخلص منه تحقيقًا لمطامعه الاحتلالية".
ويؤكد أن "إقدام الاحتلال على حرق الأقصى، كان معناه ألا يبقي أي شيء من حضارة المسلمين، وهذا دليل على الحقد الإسرائيلي بإتلافه حضارة تمتد لآلاف السنين".
ويضيف "الاحتلال بحرقه للأقصى شجع الذين يقتحمون الأقصى والمتطرفين الذين يحفرون تحته للاستمرار في استهداف الأقصى وقبة الصخرة، وبالتالي كان الحريق شرارة من أجل التخلص من قدسية المسجد وإقامة الهيكل المزعوم".
ويقول حارس المسجد الأقصى السابق محمد مشعل: "شاهدت الحريق وكان عمري وقتها 13 عامًا ولم نتمالك أنفسنا لهول المصيبة".
ويضيف "الحريق شب في منبر صلاح الدين في بدايته وامتد للجهة الشرقية للمسجد الأقصى، وشاركنا بصحبة المرابطين في إطفائه".
ويتابع "رأيت الناس يهرعون لإطفاء الحريق، منهم من يسحب السجاد ومنهم من يجلب الماء لإطفاء الحريق، كان يومًا حزينًا ومشؤومًا على كل المسلمين".
تفاصيل الجريمة
وفي مثل هذا اليوم من عام 1969، اقتحم يهودي متطرف أسترالي الجنسية يدعى مايكل دينيس المسجد الأقصى، وأشعل النيران عمدا في الجناح الشرقي للمسجد، والتي أتت على واجهات المسجد وسقفه وسجاده وزخارفه النادرة وكل محتوياته من المصاحف والأثاث، وتضرر البناء بشكل كبير، ما تطلب سنوات لإعادة ترميمها وزخرفتها كما كانت.
ومن ضمن المعالم التي أتت عليها النيران، مسجد عمر الذي كان سقفه من الطين والجسور الخشبية، إضافة إلى تخريب محراب زكريا المجاور لمسجد عمر، ومقام الأربعين المجاور لمحراب زكريا
كما التهمت نيران المتطرف ثلاثة أروقة من أصل سبعة ممتدة من الجنوب إلى الشمال مع الأعمدة والأقواس والزخرفة، وجزء من السقف الذي سقط على الأرض خلال الحريق، وعمودين مع القوس الحجري الكبير بينهما تحت قبة المسجد، و74 نافذة خشبية وغيرها.
علاوة على تضرر أجزاء من القبة الداخلية المزخرفة والجدران الجنوبية، وتحطم 48 نافدة في المسجد مصنوعة من الجبص والزجاج الملون، واحترقت الكثير من الزخارف والآيات القرآنية.
وبلغت المساحة المحترقة من المسجد أكثر من ثلث مساحته الإجمالية (ما يزيد عن 1500 متر مربع من أصل 4400 متر مربع).
وعندما اندلعت النيران في المصلى القبلي، قطع الاحتلال المياه عن المنطقة المحيطة بالمسجد، وتعمَّد تأخير سيارات الإطفاء التابعة لبلدية الاحتلال في القدس حتى لا تشارك في إطفاء الحريق، بل جاءت سيارات الإطفاء الفلسطينية من الخليل ورام الله قبلها وساهمت في إطفاء الحريق.