تفوق عبد الرحمن أبو شاويش في التوجيهي لم يشفع له للالتحاق بالجامعة؛ فـ"ارتفاع" أسعار الرسوم، وتفاوت مفاتيح التنسيق، بددا حلمه في ظل ظروف عائلته الاقتصادية السيئة التي فرضها الفقر والحصار المستمر على قطاع غزة.
ويهدد هذا الواقع التحاق عبد الرحمن، والكثير من أقرانه، بالتعليم العالي، وهو ما قد يوقف مسيرة تعليم المئات من الطلبة لأسباب خارجة عن إرادتهم.
ويقول أبو شاويش لوكالة "صفا" إنه اضطر للتخلف عن الدراسة لعامين متتاليين عمل خلالهما في أعمال لم يتصور أن يعمل بها وبأجر زهيد لا يتجاوز 20 شيكل (5.5 دولار) يوميًا؛ لتأمين مبلغ مالي يُمكّنه من الالتحاق بالجامعة لفصلين دراسيين فقط.
مؤشرات خطيرة
وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، انطلقت في غزة "الحملة الوطنية للمطالبة بتخفيض الرسوم الجامعية"؛ لحث إدارات الجامعات على اتخاذ إجراءات تُمكّن الطلبة الفقراء من الالتحاق بالتعليم العالي.
ويؤكد منسق الحملة إبراهيم الغندور، لوكالة "صفا"، "رصد مؤشرات خطيرة لتراجع الإقبال على التعليم الجامعي بفعل ارتفاع كلفة ساعات الدراسة في ظل تدني الوضع الاقتصادي، وهو ما يجعل مستقبل آلاف الطلبة مجهولًا".
ويوضح الغندور أن ارتفاع نسبة البطالة إلى 57% بين صفوف الشباب وارتفاع نسبة انعدام الأمن الغذائي لآلاف الأسر قد يدفعهم لعدم الالتحاق بالتعليم الجامعي.
ويضيف "هناك آلاف الطلبة الناجحين في الثانوية العامة والمتفوقين سيحرمون من الالتحاق في الجامعات، والإحصائيات تحدثت عن وجود تراجع بنحو 35% في أعداد الطلبة الملتحقين بمقاعد الدراسة نتيجة الفقر وارتفاع كلفة الرسوم الجامعية الذي تُرجعه الجامعات إلى تقليص الحكومة موازنات التعليم الجامعي وتراجع الدعم الخارجي".
ويدلل الغندور على حديثه بـ"المناشدات التي خرجت من غزة وظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام لطلبة حصلوا على معدلات عالية من أبناء العائلات المستورة؛ وبالتالي هؤلاء أمام معضلة حقيقية لعدم قدرتهم على الالتحاق بالجامعة".
ويلفت إلى أنه في عام 2014 تحدثت وزارة التعليم العالي عن 95 ألف طالب جامعي، بينما تراجع هذا الرقم عام 2021 لـ82 ألفًا.
ويشير منسق الحملة لوجود ثلاثة أنواع من الجامعات في فلسطين، هي الحكومية والخاصة والأهلية، "وجميعها تكلفة الساعة فيها متقاربة، بينما في دول الإقليم يلتحق الطالب غير المقتدر بالجامعات الحكومية مجانًا".
ويضيف "بعض الدول العربية والإسلامية مثل مصر والجزائر وماليزيا تقدم منحًا للطلاب الفلسطينيين تتراوح بين 50 - 100%.. لماذا لا تقوم الجامعات المحلية بهذا الدور؟".
ويوضّح الغندور أن هناك جامعتين حكوميتين فقط، هما الأقصى، وأخرى في طولكرم، داعيًا الحكومة إلى إنشاء المزيد من الجامعات الحكومية، ودعم موازنات التعليم الجامعي، وإقرار صندوق وطني لدعم الطالب الجامعي.
ويدعو منسق الحملة الجامعات إلى تخفيض الرسوم لتتناسب مع الأوضاع الاقتصادية، ولاسيما في ظل احتجازها 33 ألف شهادة بغزة لعدم قدرة الخريجين على سداد مديونياتهم.
مفاتيح التنسيق
وبشأن اختلاف مفاتيح تنسيق التخصصات، وعدم مناسبة أسعار الساعات للوضع الاقتصادي، يقول مدير التعليم الجامعي بوزارة التربية والتعليم في غزة علي أبو سعدة إن المجلس التعليمي العالي التابع للوزارة يضع الحد الأدنى لمفاتيح التنسيق والقبول لكافة التخصصات في درجتي الدبلوم والبكالوريوس.
ويوضح أبو سعدة، لوكالة "صفا"، أن وزارته تضع الحد الأدنى لمفاتيح القبول وليس الحد الأعلى، وتترك للجامعات تحديد المفاتيح حسب معدلات الثانوية العامة كل عام والأعداد اللازمة ودرجة الاستيعاب، وهو ما يترك مجالًا للتنافس.
ويضيف "كمثال؛ فإن شرط دخول كلية الطب في الجامعات الفلسطينية، والذي حددته الوزارة، هو حصول طالب الثانوية العامة من القسم العلمي على درجة 85% كحد أدنى، لكن الجامعات ترفع مفتاح الدخول أكثر ليصل إلى 96% وربما أكثر، وفق ما ترتئيه".
ويلفت إلى أن "هذا الأمر يرجع لسياسة الجامعة بما لا يتعارض مع سياسة الوزارة، ولاسيما في ظل الحالة التنافسية بين مؤسسات التعليم العالي سواء على صعيد مفاتيح التنسيق أو أسعار الساعات أو تعدد وتنوع البرامج والتخصصات".
ويوضح أن هناك نحو 650 تخصصًا دراسيًا لنيل درجتي الدبلوم والبكالوريوس في الجامعات الفلسطينية، ما يعطي مساحة واسعة من الاختيار.
ويبين أبو سعدة أن رغبة طلاب الثانوية العامة باتت أكثر انجذابًا نحو تخصصات لها علاقة بالحاسوب على حساب التخصصات التي أشبعت السوق، مشيرًا إلى أنه من المتوقع أن يلتحق نحو 30% من الطلاب الجدد بهذا المجال بعد تسجيل 24.5% منهم العام الماضي.
وتمر جامعات القطاع بأزمات مالية خانقة نتيجة عدة عوامل، أبرزها تعرض بعضها لاستهداف إسرائيلي، أدى تدمير عدد من مبانيها ومختبراتها العلمية، وتسبب في تكبدها خسائر فادحة، بالإضافة إلى الحصار الإسرائيلي وتراجع المنح والمساعدات التي كانت تتلقاها.
وتشير إحصائيات إلى أن نحو 60% من الطلبة يعانون من عدم القدرة على سداد ما تبقى من رسوم دراسية، رغم المنح والمساعدات التي تُقدم لهم.