"مار إلياس"، الدير المسيحي الذي بدا واضحًا أن شهية المستوطنين للانقضاض عليه وتملكه، خلال الفترة الأخيرة، أخذت في الشراهة، متغولين بالضوء الأخضر الذي منحه إياهم وزير الأمن الداخلي المتطرف إيتمار بن غفير.
ويقع دير أو كنيسة "مار إلياس" في مدينة حيفا بالداخل الفلسطيني المحتل، ويسمى أيضًا باسم كاتدرائية مار إلياس للروم الكاثوليك، وهي مقر أبرشية عكا وحيفا والناصرة وسائر الجليل للروم الملكيين الكاثوليك.
وتُعد كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك أكبر الطوائف المسيحية في أراضي 48 المحتلة، وقد أنشأت من قبل البابا بولس السادس، ويتبعها 64,000 مُعمّد معظمهم من فلسطينيي بالداخل.
واقتحمت جماعات المستوطنين الكنيسة، خلال الشهرين الماضيين مرارًا، بواقع مرة كل أسبوع إلى أسبوعين، وهو ما استفز الشبان المسيحيين والمسلمين في حيفا، الذين انبروا لصد هذه الاقتحامات.
وفي ذات الوقت، لم يترك مسئولو ومستشارو الكنائس مسئولًا أو منبرًا، لدعوة سلطات الاحتلال الإسرائيلي، للعمل على وقف اقتحامات المستوطنين، إلا أن هذا أيضًا لم يجد أذانًا صاغية.
وخلال الأسبوع الماضي شهدت الكنيسة اقتحامات وعراكات بين المستوطنين والشبان، بعدما حاول المتطرفين تحويل اقتحاماتهم له يومية، مدعين كالعادة "وجود قبر نبي في أرضها".
وإزاء الخطر الحقيقي الذي يحيق بالكنيسة، اتخذ القائمون عليه بالتنسيق مع مستشاريه الكنائس بالداخل وعدد من الشبان، خطوة نحو حمايتها، عبر إقامة جدار فولاذي حولها.
ردعهم ووقف خطر
ويقول مستشار العديد من الكنائس في الأرض المقدسة وديع أبو نصار في الداخل المحتل: "إن قرار إقامة سياج للكنيسة، يأتي في ظل تصاعد اقتحامات المستوطنين له".
ويضيف "يبدو أن هذه الجماعات التي أصبح عددهم بالعشرات، أصبحت لديهم نية مبيتة ومخطط لفرض وجودهم في الكنيسة، وأيضًا الوجود الوهمي للقبر الذي يزعمونه.
وظن المستوطنين أن "التصدي السلمي لاقتحاماتهم، ومحاولة عزل الكنيسة وباحاتها عن أذاهم، أنهم يستطيعوا بزيادة عدد الاقتحامات وسلوك العجرفة والتمرد، أن يجدوا لأنفسهم مكانًا في الدير".
لذلك، يكمل أبو نصار "كان من الواجب أن يتم وضع حد لهذه المهزلة، وصد الخطر المتصاعد تجاه الكنيسة، خاصة وأن الأيام الأخيرة شهدت اقتحامات مكثفة من حيث المدة وعدد المقتحمين، وأحداث أيضًا واشتباكات، كادت أن تفجر الوضع بالمكان".
حماية مؤقتة
وبدأ عدد من الشبان صباح اليوم بإقامة بوابة وسياج حديدي حول الكنيسة، وهي تنفيذ لتوصية في اجتماع سابق حول ما يجري فيه.
ويشدد أبو نصار على أن "إقامة الجدار هو حل مؤقت لحماية الكنيسة، ولردع المستوطنين وتفنيد مزاعمهم التي يتذرعون بها من أجل ما يسمونه زيارة الكنيسة، بأنها مكان مفتوح وعام، وأنه يحق لهم زيارته في أي وقت".
ولكنه يؤكد أن هذه المزاعم باطلة، وهم يقتحمون الدير ولا يزورونه، مضيفًا "إنهم يؤدون صلوات تلمودية، ويقتحمونه ويشتبكون مع الشبان، ولكنهم زعموا أنه مكان مفتوح حينما تصدينا لهم".
كما تأتي خطوة إقامة الجدار والبوابة، في ظل عدم استجابة سلطات الاحتلال وأجهزتها الأمنية، لمطالب حماية الكنيسة خاصة والأماكن المقدسة عامة في أراضي 48.
"بعدما أقمنا البوابة والجدار، لن نسمح لأي مستوطن أو يهودي بالدخول للكنيسة، وتُعد البوابة والجدار حدود، من يتجاوزها سنعتبره جاني، يستحق ما يستحقه من العقاب"، يقول مستشار الكنائس أبو نصار.
وبرأيه، فإن تحرك شرطة الاحتلال وحماية وحراسة الكنائس هو دورها ومسئوليتها، كونها قائمة على البلدات من ناحية، ومن ناحية أخرى أن تلجم الجماعات المتطرفة التي تتبع لهم.
ويحذر من استئناف المستوطنين لاقتحام الكنيسة، مشددًا على أن الشبان سيواصلون حمايتها ومنعهم من اقتحامها بشكل يومي.
ويشير إلى أن اتخاذ قرار بشأن تعيين حراس دائمين للكنيسة، لم يتخذ بعد، وأن ذلك مرهون بما سيجري بعد تركيب الجدار والبوابة.