يرى خبراء ومختصون في الشأن المقدسي أن العملية العسكرية الإسرائيلية في جنين ومخيمها تهدف إلى تصفية بؤر المقاومة، وتدمير بنيتها التنظيمية، بعدما شهدت تناميًا وتطورًا في وسائلها، أثبت عجز الاحتلال وفشله بتحقيق أهدافه.
ومع ساعات فجر الإثنين، بدأت قوات الاحتلال عملية عسكرية واسعة في جنين شمالي الضفة الغربية، أسفرت عن استشهاد ثمانية مواطنين وإصابة نحو 50 آخرين، منهم 10 في حالة خطيرة.
وتصدت المقاومة في جنين للعدوان بالرصاص والعبوات الناسفة، وأسقطت طائرتين مُسيرتين لجيش الاحتلال، وأكدت وقوع إصابات بين الجنود.
تصفية المقاومة
الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات يرى أن العملية العسكرية في جنين كانت متوقعة، خاصة بعد تنفيذ المقاومة مؤخرًا، كمينًا ضد قوات الاحتلال، وتفجير عبوة متطورة ناسفة في آلية إسرائيلية، أدت لإصابة عدد من الجنود.
ويوضح عبيدات، في حديث لوكالة "صفا"، أن تفجير مثل هذه العبوات الناسفة يؤكد تطور أساليب المقاومة الفلسطينية، ما دفع جيش الاحتلال لشن عملية عسكرية واسعة في جنين، من أجل القضاء على المقاومة فيها.
ويقول إن "هذه العملية تأتي نتاج مشاورات أمنية وسياسية جرت بين حكومة الاحتلال والمعارضة الإسرائيلية، تم التوافق عليها والتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن تنفيذها، والعديد من الأطراف الدولية.
ويضيف أن "هذه العملية تستهدف اجتثاث بؤر المقاومة في جنين، وبالتالي تحويلها إلى بيت وحديقة بعدما يتم تصفية المنطقة من قوى وفصائل المقاومة، بالإضافة إلى اعتقال قادتها وتدمير هياكلها وبنيتها التنظيمية".
ووفقًا لعبيدات، فإن هناك مشروع سياسي للاحتلال، إلى جانب البعد الأمني، يُعرف بالمصالح الاستراتيجية الإسرائيلية في الضفة الغربية، يتضمن الاستيلاء على أكبر مساحة من أراضيها، بهدف زرعها بالمستوطنات والمستوطنين.
ومن وجهة نظره، فإن هذه العملية لم تقتصر على جنين ومخيمها، بل قد تمتد إلى تنفيذ عمليات مشابهة في مدينة نابلس، وربما أريحا، وكل المناطق التي تُوجد بها بؤر للمقاومة.
ويؤكد أن القدس دائمًا ما تكون في قلب الحدث وتنتصر لمدينة جنين وكل الشعب الفلسطيني، لأن المعركة مع الاحتلال واحدة تشمل القدس وجنين، وكل منطقة تُقاوم المشاريع والمخططات الاحتلالية، مضيفًا "نحن نعتز بجنين وأهلها ومقاومتها".
فشل الاحتلال
أما الخبير في الشأن المقدسي حسن خاطر فيقول: إن "العملية في جنين غير مسبوقة، ولو كانت إسرائيل كما تقول، نجحت في اجتثاث المقاومة أو في طريقها لتحقيق ذلك، لما حشدت كل هذه القوات والآليات العسكرية والأمنية خلال حملتها".
ويشير خاطر، في حديثه لوكالة "صفا"، إلى أن هذه العملية لم تتكرر منذ عام 2002، بهذا الحجم العسكري غير المسبوق، بما يُؤشر على تنامي المقاومة وتطورها في جنين، وذلك باعتراف فعلي وعملي من الاحتلال.
ويضيف أن تنامي المقاومة وتطور وسائلها واستمرارها طوال هذه الفترة، يعني أن الاحتلال فشل في تحقيق أهدافه خلال اقتحاماته السابقة لمدينة جنين ومخيمها.
ويوضح أن الاحتلال تعمد هذه المرة، إحداث مزيد من التدمير والتخريب وتجريف البنية التحتية، بهدف إيلام المواطنين وزيادة معاناتهم أكثر، وأيضًا انتقامًا من الشعب الفلسطيني، ما يُدلل على ضعفه وعجزه وفشله في تحقيق أهدافه.
ووفقًا للخبير المقدسي، فإن "الاحتلال لا يستطيع الوصول إلى المقاومة بشكل مباشر، لذلك يحاول ضرب الحاضنة الاجتماعية بالمدينة ومخيمها من خلال التدمير والتخريب، وارتكاب مزيد من الجرائم بحق المدنيين".
وحول تداعيات استمرار العملية العسكرية، يقول خاطر إن الاحتلال لا يتحمل استمرار مثل هذه العملية، لأن تداعياتها لم ولن تبقى محصورة في جنين وحدها، وهذه مسألة في غاية الأهمية، بل قد تمتد لتشمل مدن القدس وأريحا وطولكرم والخليل، وغيرها.
ويبين أن الاحتلال يعلم أن استمرارها سيؤدي إلى تفعيل بقية الساحات الفلسطينية، واتساع رقعة المواجهة وعدم بقائها محصورة في جنين، لذلك يريد إنهائها بأسرع وقت ممكن، خشية من تصاعد الأوضاع وفقدان السيطرة على الأرض.
وتشهد الأراضي الفلسطينية-كما يوضح الخبير المقدسي- توترًا واستنفارًا شديدًا، ردًا على جريمة الاحتلال في جنين، ولا أحد يستطيع أن يحسب ردود الفعل، وهل ما إذا كان الاحتلال سيتحمل وقوع عمليات في أي مدينة وبلدة فلسطينية.
جريمة بشعة
ويقول رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي أن الجريمة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني في جنين ومخيمها تُؤكد أن الاحتلال بعد 75 عامًا لم يستطيع حسم الصراع، بل بقي الشعب الفلسطيني محافظًا على هويته ووجوده وقدرته على المقاومة.
ويضيف أن "هذه الجريمة تُعبر عن فشل محاولات الاحتلال بتحييد الشعب الفلسطيني، ولاسيما في الضفة، كما تُدلل على إجرام وبشاعة المحتل الذي يستخدم أعتى أسلحته المدمرة في مواجهة مخيم محاصر أعزل، ومدنيين من رجال ونساء وشيوخ وأطفال".
ويؤكد الهدمي قدرة الشعب الفلسطيني على تشكيل تهديد وجودي لدولة احتلال دخيلة على أرضه حتى لو كان أعزلًا دون جيش.