تتواصل حالة المقاومة المسلحة ضد الاحتلال في شمال الضفة الغربية نموًا واتساعًا؛ على عكس ما تشهده مدنها الجنوبية من حالة ركود في العمليات.
فمع نهاية العام 2021، تركزت العمليات في جنين ونابلس وسلفيت وطولكرم، بفارق واضح عن نظيرتها الجنوبية في الخليل وبيت لحم.
وكانت آخر العمليات، هي التي نفذها مقاومون أمس الثلاثاء في جنين أسفرت عن إصابة 4 جنود من جيش الاحتلال ومستوطن.
عوامل وأسباب
في ضوء ذلك، يقول المختص في الشأن السياسي ساري عرابي إن تصاعد حالة المقاومة في شمال الضفة بعد العام 2021، سيما في مخيم جنين له عدة أسباب من أبرزها ما يتعلق بتاريخ وإرث المخيم، وضعف سيطرة السلطة الفلسطينية على مدن الشمال.
ويوضح عرابي في حديث لوكالة "صفا" أن حالة المقاومة في الضفة خلال السنوات الأخيرة متنقلة، فقد شهدت مناطق الجنوب منذ العام 2014وصاعدًا عمليات مهمة، أشهرها أسر المستوطنين الثلاثة في الخليل وقتلهم.
ويضيف: "قبل ذلك، منذ نشأة الانقسام الفلسطيني عام 2007 حصلت عمليات مهمة في جنوب الضفة".
ويشير إلى أن أحداث هبة القدس عام 2015 تركزت في وسط وجنوب الضفة بشكل أكبر من شمالها.
ويرى عرابي أن "هذا الأمر دفع الاحتلال وأطرافًا أخرى (لم يسمها) لمحاولة محاصرة هذه الحالة وعزل جنوب الضفة عن حالة المقاومة".
ويبين أن منطقة شمال الضفة كانت أقل تعرضًا للضربات والاستهداف بعد العام 2007 وعام 2015 لأن هذه الأحداث تركزت في وسط الضفة وجنوبها.
ويلفت إلى أن سياسات الاحتلال في الضفة سياسات عزل وفصل بالحواجز مما يجعل لكل منطقة ظروف خاصة فيها.
ويؤكد أن ظروف المقاومة تتغير وتختلف ولا يمكن القول إنها موجودة في مكان وغير موجودة في آخر.
وينوه المحلل إلى أن "المقاومة بالضفة تعمل في ظروف قاسية، في ظل وجود قدرات استخبارية عالية لدى الاحتلال فضلاً عن أن السلطة غير متعاطفة مع حالة المقاومة".
ويتابع عرابي: "ضمن هذه الظروف يمكن للاحتلال أن يفكك بعض حالات المقاومة وهذا أمرٌ طبيعي ضمن صراع وطويل ومعقد ولن يتوقف عن مرحلة واحدة، لكن المهم أن المقاومة تتجدد ويخرج الشعب من جديد ليمارس حقه وواجبه في مواجهة الاحتلال".
ويعتقد أن "الاحتلال ليس بحاجة لتنفيذ عمليات واسعة في الضفة بالصورة التي كانت عليه خلال انتفاضة الأقصى لأن الضفة كلها خاضعة للاحتلال الذي يدخل في أي منطقة ويقتحمها متى يشاء".
ويوضح أن الاحتلال ينفّذ إجراءات محدودة في أماكن محدودة دون توسيع إجراءاته لأن ذلك من شأنه أن يشرك جماهير أكبر من الفلسطينيين في حالة المقاومة.
بنية قوية
من جهته، يقول المختص في الشأن السياسي عصمت منصور إن البنية التحتية التي توفرت في شمال الضفة ووجود مخيم جنين بتاريخه وتوفر الأسلحة والدعم اللوجستي ساهم في انتشار المقاومة بشكل أكبر من مناطق أخرى فيها.
ويقول منصور لوكالة "صفا" إن جنوب الضفة شهد خلال الفترة الماضية عمليات إطلاق نار في الخليل وبيت لحم مع ارتقاء شهداء فيها بشكل مستمر.
ويوضح أن عدم توفر البنية التحتية القوية جعل المقاومة في جنوب الضفة تأخذ طابعا ارتجاليا وفرديا ومتباعد نسبيا، أما في شمال الضفة توفرت فيها بنية شبه منظمة ولها نقاط ارتكاز وهو ما جعل المقاومة فيها تبرز أكثر.
ويؤكد منصور أن المقاومة تملك كل مقومات الاستمرارية ويمكن أن تتحول إلى ساحة مواجهة وتقود لإشعال كل الوضع في الضفة لأن الاحتلال أمام عجز عن وقف هذه المظاهر ويلجأ لمزيد من التصعيد الأمر الذي يزيد من تأجيج الحافز لتنفيذ عمليات جديدة.
ويشير إلى أن ممارسات الاحتلال والقتل والاستيطان وعربدة المستوطنين كلها تهيئ لانضمام جميع مناطق الضفة بما فيها مناطق الجنوب والوسط لحالة المقاومة المسلحة، مؤكدا أن الحافز موجود والدافعية للمقاومة متوفرة في ظل الاستفزازات.
ويتابع: "إذا توسعت المقاومة بشكل أكبر في الشمال ستمتد للجنوب وستلاقي صدي في كل مكان وهذا مع الوقت قد يأخذ أشكالا أكثر تنظيما وديمومة".
ويستبعد منصور أن تقدم إسرائيل في الوقت الراهن على شن عملية عسكرية في شمال الضفة، موضحًا أنها قد تُقدم على هذا الخيار عندما تعجز عن امتلاك المعلومات الاستخبارية والسرعة في تنفيذ الوصول للمقاومين ومنفذي العمليات.
ويرى أن "الاحتلال يخشى من الإقدام على هذا الخيار لأن العملية الواسعة ستشعل الأوضاع وستصبح المعركة مع مدينة ومجتمع كامل بدلا من مواجهة بؤر أو مجموعات محددة، وهو ما سيكون له تأثير جوهري على السلطة ودورها".