فوق أنقاض المنزل الذي ارتقى فيه الشهيد أحمد محمود أبو دقة، جلس نجله الطفل محمد يُقلب بين الركام باحثًا عن ذكرى لوالده؛ الذي ارتقى بعد مسيرة طويلة من الجهاد والعمل في صفوف المقاومة.
وتعرض "أبو دقة" (43عامًا) عضو المجلس العسكري لسرايا القدس في غزة ونائب مسؤول الوحدة الصاروخية لعملية اغتيال من طائرة حربية داخل منزل في خان يونس قبل يومٍ من انتهاء العدوان الأخير.
ويُشير "محمد" بيده على بقعة دم قائلاً: "أبي ولد هنا واستُشهد هنا ودُفن هنا قرب قبرٍ ملاصق لمكان استشهاده، مُعبرًا عن فخره بوالده الذي شكل استشهاده صدمةً وحزنًا لكل من عرفه.
ويقول الطفل (12 عامًا) لمراسل "صفا": "رغم أنني كنتُ أتوقع استشهاد والدي في أي لحظة؛ لكن عندما علمتُ بارتقائه هرعت للمستشفى أطلب رؤيته كي أصدق ذلك؛ وعندما أيقنت أنه استُشهد ما كان مني سوى الشعور بالفخر بوالدي القائد الذي أنشأني على حبّ المقاومة".
وأضاف: "كنت أرى والدي ساعة أو اثنتين في اليوم في أحسن الأحوال بحكم طبيعة عمله، ورغم ذلك لم يكن ليترك أي مناسبة إلا ويحرص على المشاركة فيها".
وتابع أبو دقة: "كان والدي حنونًا وطيب القلب ولم يتردد في توفير كل ما نحتاجه، حتى الجيران وأصحاب الحاجة لم يقصر معهم؛ ويجهد نفسه بجانب عمله المقاوم الذي أخذ الكثير من وقته وأشغله عنّا كثيرًا".
أما إبراهيم أبو دقة (36عامًا) الشقيق الأكبر للشهيد، فيقول: "إذا تحدثت عن شقيقي لن أوفّيه حقه؛ فابتسامته لم تغب للحظة عنه؛ لذا أعجز عن وصف شقيقي؛ فهل أتحدث عن شجاعته أم شهامته ونخوته وحنانه وكرمه؛ بالكاد لا تخلُ منه صفة؛ فهو إنسان بمعنى الكلمة حتى غدا أيقونةً في المجتمع خاصة بمدينته".
وتابع شقيقه: "لم أعرف طبيعة عمله سوى أنه كان في سرايا القدس؛ فهو رجلٌ صامت وكل ما أعرفه أنه كان رفيقًا للشهيد خالد منصور وبعد استشهاده تأثر كثيرًا وتمنى أن يلتحق به ونالها".
وقال: "أصيب شقيقي أحمد خلال هبة الأقصى عام 1996 بعيار ناري في فخذه الأيمن ولم يخرج من جسده حتى استشهاده؛ ومنذ عام 2000، التحق في صفوف حركة الجهاد وسراياها".
ويضيف: "رغم إصابته حينها، عاد ليُقاوم المُحتل بالحجارة عند حاجز المطاحن بخان يونس (سابقًا) ولم يستطع أحد منعه وكان لديه شغف في مقارعة المحتل وتشهد له حواجز الاحتلال والحدود الشرقية التي تواجد فيها وشارك في عمليات كثيرة؛ وتعرض لعدة عمليات اغتيال أخرها في عام 2014 عندما قصف منزلنا".
ويقول أبو دقة بعد أن ذرفت عياناه: "أخي كان دائمًا مُبتسمًا وهذا أكثر ما يُميزه بجانب حب عمل الخير؛ فلم يرد أحد دق باب بيته ولم يكُن يُرِد سوى إرضاء الله بعد أن نال رضا والديه".
وللشهيد "أبو دقة" كلمات خالدة منها: "أتوكل على الله ولا أبالي.. فالأمس لا يُحزنني واليوم لا يُشغلني والغد لا يُقلقني والله يكفيني!".