فراغٌ كبير تركه طبيب الأسنان جمال خصوان (52 عامًا) لكل من عرفه من الأهل والأقارب والأصدقاء؛ جراء استشهاده بغارة إسرائيلية غادرة أصابت منزله بحي الرمال وسط غزة لترديه شهيدًا برفقة زوجته ونجله الأكبر يوسف.
"الطبيب الإنسان" كما يطلق عليه الفقراء والمرضى، كان أيقونةً للعمل الخيري والإنساني، حيث كان يتفقدهم الطبيب خصوان باستمرار ويقدم لهم الرعاية الطبية والإغاثية بشكل مستمر؛ بحكم عمله رئيسًا لمجلس إدارة مشفى الوفاء ودار المسنين.
الغارة تسببت باليتم لأربعة من أبنائه وبناته، حيث كانوا جميعًا بالمنزل ساعة القصف الذي استهدف القيادي بحركة الجهاد الإسلامي طارق عز الدين حيث يقطنان في ذات المبنى السكني، لكن شاءت الأقدار أن يبقوا أحياء ليكونوا شهودًا على هذه الجريمة المروّعة التي أصابت منزلهم عند الساعة الثانية فجرًا من يوم الثلاثاء.
يُشار إلى أن الطبيب خصوان حاصل على درجة البكالوريس والماجستير والدكتوراه في طب الأسنان، ويحمل الجنسية الروسية، كان يستطيع أن تفتح له أبواب الحياة؛ لكن أبى إلاّ أن يعيش في غزة ويقدم المساعدة لكل من يحتاجه.
ويقول موسى خصوان الشقيق الأكبر لجمال إن "شقيقه سخّر جل وقته في خدمة المسنين والفقراء اللّي ما الهم حدا في غزة؛ فكان يقدم الإيواء للمحتاجين بدور المسنين ومساعدتهم، وكان يعمل في مجال طبي لخدمة كل شرائح المجتمع".
ويوضح خصوان أن شقيقه لم يرد أحدًا قط قصده بغرض الحاجة أو المساعدة، بالرغم من أن عمله الإنساني كان يشق عليه بعد انتهاء دوامه في عيادة الأسنان الخاصة به، إلا أنه كان يجد سعادة في خدمة الناس.
ويضيف "لم أذكر يومًا أن أخي أبو يوسف كان يرد أحدًا وقف على بابه بغرض المساعدة أو حتى القدوم إلى عيادته، حيث كان يقدم الخدمات الطبية والخيرية لكل المحتاجين وكان أيقونةً للعمل الإنساني".
ويستهجن خصوان الجريمة الإسرائيلية المتعمدة بحق شقيقه وعائلته، متسائلاً: أين نحن من هذا الإجرام؟ أين العالم الحر الذي يشاهد بيوتًا تقصف على رؤوس ساكنيها دون أن يحرّك ساكنًا.
ويقول "شقيقي كان في بيته بين أطفاله وعائلته يقتل وييتم أطفاله هكذا بدون أي سبب. أين نعيش نحن؟ أين العدالة الدولية لردع هذا الاحتلال عن مواصلة جرائمه بحق أبناء شعبنا؟".
أخلاق عالية
ويصفه صديقه المقرب محمد شناعة بصاحب الأخلاق العالية والمرحة وصاحب الضحكة الجميلة، قائلاً "شهدت عليه كل معاني الطيبة والأخلاق الرفيعة والاحترام؛ ترك برحيله فينا فراغًا كبيرًا لن يستطيع أن يملؤه أحد".
ويستذكر شناعة أبرز المواقف الجميلة التي جمعته بصديقه الشهيد جمال خصوان، موضحًا أنهما كانا يحرصان كل صباح جمعة الذهاب إلى البحر وتفريغ الطاقة السلبية، وتحضير وجبة الإفطار وقضاء أوقات من المرح.
ويضيف "كان جمال بمثابة كل شيء جميل في هذه الدنيا، هو ليس مجرد طبيب أو انسان عادي؛ هو إنسانية كلها تتجسد فيه، كان بمثابة الأخ وأكثر من صديق، فكل من عرفه أحبه بصدق، وهو خسارة لنا ولشعبنا.
ويؤكد أن جرائم الاحتلال بحق أبناء شعبنا غير مستبعدة، فهذا الظلم أصاب الجميع، نأمل من الله أن نتخلص يومًا من هذا الاحتلال المجرم، وأن يحاسب قادته على كل ما ارتكبوه من جرائم مروّعة بحق هذا الشعب المكلوم".
وولد الشهيد الطبيب جمال خصوان بحي الشجاعية في ٢٣ أكتوبر ١٩٧٠، وشغل سابقًا منصب نقيب أطباء الأسنان، وهو خريج كلية طب الأسنان من جامعة روسية في أواخر التسعينيات.
ويعتبر خصوان قامة طبية ووطنية، حيث قدم الكثير من محطات العطاء خلال مسيرته العلمية والعملية، كما أنه من أصحاب الأيادي البيضاء في غزة، وله مواقف إنسانية عديدة، ويقضي جل وقته على خدمة المرضى والمحتاجين.