لا تتوقف سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن سياساتها الممنهجة في استهداف أراضي وعقارات مدينة القدس المحتلة، لتنفيذ أجندتها الرامية لتعزيز سيطرتها الكاملة وفرض سيادتها المزعومة على المدينة، وشرعنة الاستيلاء على أملاك الفلسطينيين وحقوقهم بالمدينة.
وتستهدف سلطات الاحتلال أكثر من 6900 دونم من أراضي القدس بشكل مبدئي، في محاولة لتسجيلها "وتسويتها"، تمهيدًا لإحكام سيطرتها على المدينة المحتلة بأكملها، وفق ما كشف عنه معهد "أريج" للبحوث التطبيقية.
وكانت وزارة قضاء الاحتلال، أعلنت عن بدء تسوية أراضٍ بمسميات وأرقام جديدة للأحواض في أحياء مقدسية مختلفة، منها في حي الثوري (أبو طور) بالمنطقة الواقعة جنوب المسجد الأقصى المبارك، وروجت لـ"تسويات" أخرى في التلة الفرنسية لصالح "مستوطنة راموت".
وبحسب تقرير أصدره معهد "أريج" يوم الأحد، فإن "تسوية" الأراضي رُوجت أيضًا في مستوطنة "جبل أبو غنيم- هار حوماه" على أراضي صور باهر وأم طوبا، وفي مستوطنة "رمات شلومو" على أراضي شعفاط، والمنطقة المستهدفة في قلنديا (منطقة المطار والمنطقة الصناعية) لصالح "مستوطنة عطروت".
بالإضافة إلى بعض الأحياء المقدسية، مثل بيت صفافا وشرفات لصالح مستوطنتي "جيلو"، و"جفعات همتوس"، والعيسوية والطور، وبيت حنينا، وصور باهر والشيخ جراح.
وأشار إلى أنه خلال فترة الإدارة الأردنية منذ العام 1948، والتي استمرت حتى العام 1967، تم تسجيل أقل من 30٪ من أراضي الضفة الغربية المحتلة في "الطابو"، وتم استكمال مسح إضافي للأراضي، بما في ذلك في القدس، لكن لم يتم تسجيله رسميًا بسبب حرب عام 1967.
قوانين عنصرية
وبعد احتلال "إسرائيل" الضفة والقدس، استخدمت سياسات وقوانين وأنظمة عنصرية لتمكين هيمنتها على الأراضي الفلسطينية المملوكة ملكية خاصة، والتي كانت خطوة أولى نحو إصدار الأمر العسكري للعام 1967 بوقف أي شكل من أشكال تسجيل الأراضي في الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس، بحجة "حماية حقوق ملكية الغائبين".
لكن بعد اعتراف إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب بالقدس "عاصمة موحدة لإسرائيل"، واتخاذ الخطوة الإسرائيلية التي طال انتظارها لفتح السفارة الأمريكية في المدينة المقدسة، بدأت بلدية الاحتلال عام 2018، خطة "تسوية الحقوق العقارية" بالمدينة.
وجرى رصد مبلغ 100 مليون شيكل ميزانية للسنوات الخمس التالية، لفحص حوالي 17000 عملية شراء لأراضٍ ومعاملات عقارية يدعي "الصندوق القومي اليهودي- كيرن كيمييت" استحواذه عليها بالشراء قبل نكبة عام 1948.
وتستهدف مساعي الصندوق في متابعة المعاملات 530 موقعًا، منها 360 عقارًا و170 قطعة أرض في مواقع مختلفة بالقدس، بعد حرب عام 1967.
وكان "الصندوق القومي" وافق على مساعي الاحتلال المتعلقة بتسجيل أراضي شرقي القدس لصالح اليهود، وهناك 2050 صفقة قيد البحث، بما في ذلك عقارات وأراضٍ على مساحة نحو 2500 دونم، والتي يتم إدارتها تحت وصاية خاصة منذ العام 1967.
وبحسب الائتلاف الأهلي للدفاع عن حقوق الفلسطينيين في القدس، فإن حوالي 60% من أصحاب الأراضي والأملاك لا يعيشون في المدينة بالوقت الحالي، بسبب تشتتهم وتشتت ملكياتهم بعد احتلال شطرها الشرقي عام 1967.
شرعنة واستيلاء
رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي يقول إن سلطات الاحتلال تعمل على تسجيل وتسوية أراضي القدس على أنها إجراء قانوني، لا يمكن التلاعب بملكيتها.
ويوضح الهدمي، في حديث لوكالة "صفا"، أن الاحتلال أوقف عملية تسجيل الأراضي والممتلكات طيلة 55 عامًا من احتلاله مدينة القدس، إلا أن بدأ في الأعوام الأخيرة بتنفيذ قراره، بغية شرعنة الاستيلاء على ما تبقى من أراض وممتلكات فلسطينية.
ويشير إلى أن الاحتلال يشترط على كل من يريد الحصول على رخصة بناء، أن يقوم بتصحيح الملكية وتسجيل الأرض أو العقار بأسماء مالكيه، وهذا ما فرض على المقدسيين دفع أموال طائلة للاحتلال، لأجل الحصول على رخص البناء.
ويضيف أن "هذه الخطوة الخطيرة تهدف لإرهاق المقدسيين ماديًا، ووضعهم أمام خيارين، إما الإفصاح عن عمليات الانتقال في الملكيات من جيل لآخر، ويضطروا لدفع مبالغ طائلة للاحتلال، أو أن تبقى عقاراتهم غير مسجلة، وبالتالي لا يمكنهم الحصول على رخص بناء".
وهذه الخطوة أيضًا، كما يؤكد الهدمي، تفتح الباب أمام "حارس أملاك الغائبين" لأجل وضع يده على العديد من العقارات والأراضي في القدس، كونه لم يتم تسجيلها، وأصحابها غائبون لا يعيشون في المدينة المقدسة.
ويوضح أن تسوية الأراضي الفلسطينية مشروع استيطاني تهويدي يهدف الاحتلال من خلاله لإيجاد ثغرة، بغية تحويلها إلى أملاك غائبين بأسماء يهودية.