"مجزرة السوق".. من المجازر البشعة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية ضد الفلسطينيين إبان النكبة عام 1948، ولاسيما أنها استخدمت فيها الصواريخ والمدافع الثقيلة لقتل أهالي المنطقة في مدينة حيفا بالداخل الفلسطيني المحتل.
وضمن ملف أطلقته وكالة الصحافة الفلسطينية (صفا) لتسليط الضوء على مجازر وملفات مخفية للاحتلال الإسرائيلي إبان النكبة، نسلط الضوء اليوم على مجزرة "السوق" في حيفا، والتي ارتُكبت في مثل هذا الشهر من عام النكبة.
وتستعين الوكالة بمختصين ومحامين انبروا للكشف عن الملفات، في مسعى لكشف الوجه الحقيقي لـ"إسرائيل"، وإخراج ملفات مجازرها إلى السطح، ضمن خطوات قادمة لتقديم ملفات لإدانتها في محافل دولية.
تنسيق مع القوات البريطانية
ويقول المختص في هذه الملفات جهاد أبو ريا: "في الساعة الواحدة من صبيحة يوم ١٩/٤/١٩٤٨، وبتنسيق كامل مع القوات البريطانية، فاجأت العصابات الصهيونية أحياء مدينة حيفا بهجوم عنيف بقاذفات الصواريخ والمدافع الثقيلة والألغام".
واستهدف إطلاق النار أحياء الحليصة، ووادي النسناس، ووادي الصليب، وعباس، وكان القصف عشوائيًا، وأدى إلى بث الرعب والخوف وقتل وجرح المئات.
وجاء في روايات شهود عِيان على المجزرة أن "الجثامين كانت تُشاهد في الطرقات، حتى أن الفلسطينيين بحثوا على مكان آمن يحتمون به، فكانت وجهة الكثيرين منهم إلى ميناء حيفا، الذي كان تحت سيطرة البريطانيين".
وقال الشهود إن: "القوات العربية لم تصمد أمام هجوم العصابات المباغت، وسرعان ما بدأت المفاوضات بين قيادات الفلسطينيين في حيفا والعصابات الصهيونية على شروط اتفاقية بوساطة البريطانيين".
ومثّل أهالي حيفا الفلسطينيين في المفاوضات كل من: فريد سعد، وفيكتور خياط، وأنيس نصر، والشيخ عبد الرحمن مراد، وإلياس كوسا، وأحمد أبو زيد، وجورج معمر.
أما اليهود فمثلهم كل من: شبتاي ليڤي، والمحامي يعكوڤ سلمون، والمحامي ليفشتنر، وحلفون، ورجل مخابرات أجنبي، وفق شهود عايشوا تلك الفترة.
مباغتة الحشود بمجزرة
وفي تلك الأثناء، بدأت مكبرات الصوت تطالب السكان الفلسطينيين بالتوجه إلى السوق، لإخبارهم عن آخر التطورات وشروط الاستسلام، فتجمع الآلاف، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ من أهالي حيفا.
ووفق أبو ريا؛ وصل خبر توجه الفلسطينيين إلى السوق لقيادة "الهاجاناه"، وهي منظمة صهيونية تأسست عام 1921 في مدينة القدس، وتتشكل من تكتّل عسكري يهودي أُنشئ برعاية الاحتلال البريطاني، مهّد لإقامة "إسرائيل".
وقررت "الهاجاناه" تنفيذ مجزرة داخل حشد الفلسطينيين بالسوق، لقتل أكبر عدد ممكن، وحمل الآخرين على ترك المدينة؛ فأطلقت الصواريخ باتجاه المواطنين.
اعترافات المجرمين
وروى "شاؤول تسادوك"، عضو عصابة "الهاجاناه"، والمشارك في الهجوم تفاصيل الجريمة، في كتاب أصدره عام ١٩٧٨ باسم "معارك الدفاع في حيفا".
ويقول في الكتاب: "في ساعات الصباح الباكر أخبر مكسي كوهين مقر اللواء، أن العرب يشغلون مكبرات الصوت ويدعون الجميع للتمركز في السوق، لأن اليهود احتلوا شارع ستانتون، ومستمرون بالتوجه إلى البلدة التحتا".
ويضيف "مع وصول هذا الخبر وجهت تعليمات إلى قائد ذراع السلاح المساعد أهود الموج، باستخدام قاذفات الهاون من عيار ثلاثة إنش، التي كانت تتمركز بجانب مستشفى روتشيلد، وقصف ساحة السوق خلال تواجد جماهير غفيرة في ساحته".
ويصف مشهد المجزرة في كتابه "وما إن بدأ القصف وسقطت القاذفات داخل السوق حتى انتشر الذعر الهائل، فاقتحمت الحشود الميناء ودفعت رجال الشرطة الذين كانوا يحرسون البوابة، وبدأوا بالهروب من المدينة".
وجاء في كتاب المجرم "تسادوك": أنه "خلال اليوم كله استمرت القاذفات بقصف المدينة والذعر يدب في قلوب العدو فتحول ذلك إلى انهيار".
أما الإرهابي "أهود الموج" نفسه فيقول: "هذه لم تكن قاذفات ثلاثة إنش، هذه كانت قاذفات دافيدكا".
ويضيف "أن الوصف التاريخي صحيح، حقيقي ودقيق، تسلمنا أوامر بتفجير السوق في وقت كان فيه جماهير غفيرة، وصدرت أصوات انفجار هائلة سُمعت عن بعد ٢٠٠ متر".
وبالمحصلة "كانت أشلاء من جثامين الأطفال والنساء والشيوخ تملأ كل مكان في السوق، وكان الجرحى بالمئات، أما من استطاع الهروب من هذه المجزرة، فتوجه إلى الميناء ليتمم البريطانيون مخطط تهجير أهالي حيفا عن طريق البحر".
ويُحيي الشعب الفلسطيني هذه الأيام، ذكرى نكبته الـ75، والتي ارتكبتها العصابات الصهيونية للتمهيد لإقامة "إسرائيل"، وهجرت فيها الآلاف من أبنائه داخل الوطن وخارجه، حتى اليوم.